الأربعاء، 26 يوليو 2017

أليس في البلد غير هذا …




بينما كنت أتصفح أحد مواقع الصحف العربية عبر الإنترنت لفت انتباهي موضوع عن “تكرار الأشخاص” ولأني أتفق مع عنوان الموضوع توقفت لقراءته كان يتحدث عن الأشخاص الذي يظهرون في كل وسائل الإعلام منذ سنوات فتجد نفس الشخص يكتب مقالا في الجريدة ويحلل في التلفزيون ويستضاف في الإذاعة وهكذا ، وكأن كاتب الموضوع قرأ أفكاري فدائماً ما أتسأل من ظهور شخص معين في أكثر وسيلة إعلامية وكأن ليس هناك من يمكن أن يكتب أو يستضاف غيره ، فمنذ سنوات هو الاسم الأبرز ولكن من دون أي معلومة جديدة يمكن أن يقدمها للجمهور سواء أنه يملأ مساحات بعناوين مختلفة أو تجديد في المظهر بل إن بعضهم لا يكلف نفسه التجديد مخصصا رف في خزانته للبس اللقاءات .

الموضوع يحتمل تفسيرين مختلفين أو أكثر ولكن هذا ما وجدته بعدما كنت أتابع بعض المؤسسات الإعلامية وسبب لجوئها لشخص بعينه ، العتب الأول على الوسيلة التي لا يخلو فعلها من الكسل فهناك أشخاص جاهزين للظهور في أي وقت ومن فصيلة (محبي الظهور) وإن كان لا ناقة لهم ولا جمل بالموضوع وحتى لا تكلف المؤسسة نفسها أو بالأحرى ممن يتولون أمور التنسيق مع الضيوف أو الكُتّاب عناء البحث عن أشخاص جدد يستحقون الظهور يلجأون إلى نفس الأشخاص وكما يقال محلياً(مبرد رأسه) لا يتعب نفسه في البحث عن أسماء جديدة تطرح أفكارا مختلفة وتجدد في الرسالة ونجد النتيجة نفسها !!، إضافة إلى أن هؤلاء الأشخاص ممكن توجيههم لأي اتجاه بمعنى هم يغردون حسب سياسة المؤسسة إذن هم لا يملكون قناعات يبنون عليها أفكارهم وأطروحاتهم وتكون عقولهم مفتوحة لتقبل أي فكر لترجمته على ألسنتهم، في فترة من الفترات مثل هؤلاء الأشخاص يتقبلهم المجتمع ويتأثر بهم ولكن مع الانفتاح وتعدد وسائل النشر والتلقي ، أصبحوا مجرد أسماء لملء المساحات لا يمكن أن يجذبوا الجيل الحالي ولكن أكيد هناك من يصفق لهم وإلا ما كانوا ليستمروا بهذه الثقة منذ سنوات كما هو الحال مع الوسائل الإعلامية التي كان لها دور في ذلك.
أما الشخص المحب للظهور فقد حرق نفسه بما فيه الكفاية لأن الحديث في نفس المواضيع وفي نفس المناسبة وفي مختلف المؤسسات الإعلامية كيف يتوقع أن يتقبله المجتمع الذي أصبح متيقظا ومترصدا لأي معلومة قد تتكرر أو يعاد نشرها ويصبح لدى البعض في قائمة المنفردين لمتابعة تلك المؤسسة، وهنا لا يمكن نكران بعض الأسماء التي تنتقي متى تظهر وأين ولا تكرر نفسها في مناسبات بعينها وما إذا ظهرت فيكون لديها مخزون جديد من المعلومات تجبر المستمع أو القاريء لمتابعتها فهي تفرض نفسها إيجابياً بالتالي يحترمها الجمهور ويتابعها .
إذن السؤال الذي يتبادر للذهن لماذا لا يتم إعطاء الفرصة لجيل الشباب بحيث يكون هناك صف جديد مستعد للتعامل مع المؤسسسات الإعلامية بكل ثقة، فهناك جيل من الشباب يملك من الثقافة والمعلومة والحضور ما يؤهله للظهور على شاشات التلفاز وفي الإذاعة أو الصحف وهنا لا أقصد المواضيع التي عادةً يستضاف فيها الشباب وإنما كمحللين في مختلف المجالات أو نقاد أو متحدثين لجهات حكومية ولكن للأسف ما زال هناك من لا يثق بأن هذا الجيل قادر على أن يأخذ زمام الأمور ويوجهها في الاتجاه الصحيح للتطوير بما يتماشى وخدمة الوطن والمجتمع .
والشيء بالشيء يذكر في موضوع التكرار وفرص الشباب ولكن على صعيد الشركات فهناك بعض المؤسسات تلزم نفسها مع بعض الشركات من باب (تعودنا عليهم) والتي إما تكون انتهجت نفس خط الإنتاج لا تطور فيه ولا تحيد عنه فتتكرر هذه الشركات في نفس المناسبات والفعاليات وكأن ليس في البلد غيرها ولا عجب أن يكون النتاج مملا لأنه مكرر أمام الجمهور لسنوات وإن اختلف المحتوى لكن في نفس القالب، بينما هناك مئات الشركات الشبابية والتي قد يكون عملها أكثر تميز من تلك الشركة ولكن تبقى قضية بعض الأشخاص الذي يقفون عائق أمام التطوير أو من جانب لا داعي للبحث عن جديد.
يمكن إيجاز كلا الموضوعين في جملة (أليس في هذا البلد إلا هذا الولد).

الثلاثاء، 11 يوليو 2017

لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

في زحمة العيد الجميلة وبينما الكل منشغل بتأدية الواجبات الاجتماعية وإعداد وجبات الطعام المشتركة كان هناك مجموعة من البشر لا يتجاوز عمر أكبرهم ثلاثة عشر عاماً وأصغرهم ثلاث سنوات يحملون آخر طرازات الهواتف المحمولة، تجمعوا في زاوية من المجلس منهم من يلتقط الصور لوضعها في وسائل التواصل الاجتماعي وآخر يلعب لعبته المفضلة وآخر يحاور صديقه بالوتس آب، بينما الأهل ينعمون بالراحة فهم وفروا لأبنائهم ما يسليهم ويلهيهم عوضا عن تفادي الإزعاج المتكرر الذي قد يصدر من أحدهم .
لا أعتقد أن هناك من لا يعلم بأن هذه الأجهزة التي سلمت لتلك الأيادي البريئة قد تكون بداية لطريق الهلاك والدخول في متاهات ليس من السهل الخروج منها، ولكن هناك من يبرر بأن الأجهزة الإلكترونية أصبحت من ضروريات الحياة وحجبها عن الأطفال ليس لصالحهم، الكل ينطلق من أسباب يجدها صحيحة من وجهة نظره أو يحاول تبريرها وإلا ماذا يفعل جهاز في يد طفل لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات؟! إلا إهمال صريح (اشتري راحتي على حساب خراب أبنائي) ومن ثم يتعجبون من الجرائم الإلكترونية التي بدأت تزداد في الآونة الأخيرة على النطاق المحلي والتي كان ضحيتها من فئة المراهقين والأطفال حتى وصل بعضها إلى جرائم قتل واحتيال مالي بمبالغ كبيرة وغيرها من الجرائم التي كنا نشاهدها في الأخبار العالمية لكنها اليوم تحدث في مجتمعنا .
العالم الإلكتروني كالبحر ليس له أمان وفيه من يهوى الصيد وهناك الفريسة السهل اصطيادها، الفريسة عادة ما يهيئها الأهل للصيد وذلك بتوفير الأجهزة الإلكترونية لهم دون رقابة فيبحر الأبناء في هذا البحر الواسع وقد يضلون الطريق ويقع الفأس في الرأس لأن هناك من ترك أدوات صيده جاهزة لصيد مثل هذه الفرائس، كيف لا؟! وإذا كان أطفال ما زالوا يلقمون الطعام وأيديهم لا تفارق هذه الأجهزة…
أما الصياد فهو يستغل الثغرات التي توصله لفريسته كما أنه يلجأ لاستفزازها بعد أن يحصل على المعلومات التي يريدها وعادةً لا يخلو من الدهاء الإلكتروني فيصل لمبتغاه من دون أن تكشف هويته .
لمن يعتقد بأن التقنية ضرورة فهو ينطلق من منطلق بأن الغالبية العظمى لديهم أجهزة إلكترونية وبالتالي حرمان الطفل مما هو متوفر مع أصدقائه أو زملائه قد يولد لديه شعورا بالنقص وبأنه اختلاف غير مبرر وبالتالي يمكن تفادي ذلك بتوفيرها له، إضافة إلى أنها وسيلة تعليمية ومكتبة متنقلة وحرمانه منها يعني حرمانه من مصدر مهم من مصادر المعلومات، نعم هي كذلك ولكن لا يعني توفيرها من دون رقابة وفي كل الأوقات ودون مراعاة للسن واحتياجاته ، حتى وصل الأمر للبعض لتوفير شاشات للألعاب الإلكترونية في غرف نومهم فتجدهم يقضون ساعات طويلة في اللعب مع أشخاص مجهولين لا يعرفون هويتهم ولا هدفهم، كل ذلك من أجل أن ينعم الآباء والأمهات بجو مفعم بالهدوء وهم يشاهدون قنواتهم المفضلة في أجهزة التلفاز التي لا يزاحمهم عليها أبناؤهم والأهم من ذلك فهي وسيلة سريعة لتهدئة الطفل ما إذا بدأ بالبكاء !! يقول الله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93). سورة الحجر.
أما الجانب الآخر والمتصيد للثغرات ومهما كانت نواياه الخبيثة فلن يكون قادراً على ارتكاب جريمته إذا كانت الأسوار الأسرية متينة وقادرة على صد أي هجمة قد تمس فلذات كبدها ، فالشر موجود ولا يمكن إنهاؤه لكن يمكن التصدي له لوقف زحفه وخاصة إذا كان المتضرر أغلى ما نملك.
إن هيئة تنظيم الاتصالات وبالتعاون مع عدد من الأجهزة الأمنية والمؤسسات المعنية بدأت بتنظيم حملات توعوية لتنبيه ولي الأمر بالدرجة الأولى ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام حول الجرائم الإلكترونية وكيف يمكن تفاديها والتعامل معها، ولكن يبقى الدور الأكبر على المؤسسة الأساسية وهي الأسرة وأن تعي أن الأجهزة الإلكترونية توفر جانبا ترفيهيا يمكن الاستغناء عنه بوسائل أكثر أمانا وإذا كانت من ضرورة لإعطاء الابن هاتفا محمولا يجب أن يكون أيضاً بحدود ، فلا تحولوا التقنية إلى سلاح تدميري داخل بيوتكم.
رابط المقال في جريدة الوطن : http://alwatan.com/details/204144 


الاثنين، 3 يوليو 2017

حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ

هناك من يعتقد أو أوهم نفسه بأن الدين مقتصر على أداء الشعائر الدينية فقط متناسياً بأن هناك أشياء كثيرة أمر بها الإسلام ونهى عنها وبترك الأولى وفعل الثانية قد يدخل في موضوع الحلال والحرام، ولكن عندما يوضع العقل في إطار ضيق يصعب عليه التفكير خارج ذلك الإطار لذلك يكون تفسيرهم للدين هو مظهر معين وأداء الفرائض فقط أما عدا ذلك فهو مسموح أو غير مرئي بالنسبة للبعض. ومن ضمن القائمة المحذوفة أو غير المرئية لدى فئة من الناس ثقافة العمل في رمضان والتي استبعدت عند الكثيرين رغم التزامهم الديني، فعلى سبيل المثال ومن واقع يشاهده الجميع في رمضان من أصل خمس ساعات يداوم ساعتين أو قد يتغيب عن عمله لأنه قضى ليلته في قيام الليل أو قراءة القرآن وبالتالي هو غير مستعد لاستقبال أي عمل يناط إليه فيأتي متثاقلاً لتسجيل حضور فقط، ونسى أن العمل أيضاً عبادة وبأن التبسم صدقة وأن الحركة بركة … (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة. وأما ردة فعل المسئول على هكذا نماذج تعتبر منافية لحرمات الشهر وغير مقبولة لأنها ثقافة على الجميع التعايش معها !!
وفي الجانب الآخر هناك من يستغل ليالي رمضان بكل ما تحمل من أجواء رمضانية ممتعة فيقضي وقته في المقاهي أو السهرات التي تستمر حتى آذان الفجر أو متابعة التلفاز أو غيرها من العادات الرمضانية المعروفة ولكن الاستمتاع بهذه الأجواء الجميلة لا يعني أن الوقت المخصص للعمل يتم قضاؤه في النوم أو الحضور في وقت متأخر والانصراف باكراً ، لأن هناك من ينتظر تخليص معاملته أو من قطع مسافة ليقابلك ، فوضع رمضان كحجر عثرة هو صفة المتخاذلين والمتقاعسين ، بل يتعمد كثيرو الأعذار على عدم الخروج في إجازة بحجة قصر فترة الدوام وبأن الغالبية العظمى يعيشون نفس الروتين خلال الشهر وبأن رمضان شهر التسامح لذلك على المسئول أن يتغاضى عن زلات الموظفين لأنه لا يأكل ولا يشرب خلال النهار وبالتالي ليس لديه طاقة للعمل وما أكثر الأعذار التي تطرأ طول العام وتتضاعف في الشهر الفضيل كما هي عدد المشاهدات في اليوتيوب، فبالإضافة إلى العدد الذي اعتاد على قضاء ساعات العمل لمشاهدة المسلسلات والبرامج خلال السنة يزيد العدد خلال رمضان لأن الأعمال الدرامية كثيرة والوقت غير كافٍ لمشاهدتها في المنزل وبالتالي وقت الدوام هو الأنسب وكذلك البحث عن وصفات الفطور لها نصيب من الوقت .
وبعيداً عن الدين وحتى لا أتهم بلعب دور الوصاية إلا أن ثقافة العمل بمنظورها السلبي في رمضان أصبحت حالة عامة فما أن يهل الشهر الفضيل تقل ساعات العمل ويقل العمل المنجز وكأنه شهر غير محسوب ضمن شهور السنة لذا من الأفضل أن يتم التقييم في نهاية السنة على أحد عشر شهراً حتى يتصف التقييم بالعدل قدر الإمكان .
رمضان من أفضل الشهور في تنمية ورفع مستوى الإنتاج وذلك لأنه يخلو من وقت مستقطع لتناول الوجبات أو التي قد تسبب خمولا كما أن فترة الدوام قصيرة ويمكن استغلالها استغلالاً أمثل ، كما انه من انسب الفترات لوضع الخطط فهي فترة تتمتع بصفاء الذهن وقلة الأحاديث الجانبية ، لذلك فإن ثقافة العمل السائدة خلال الشهر الفضيل يجب أن تغيرها ولا اقول هنا بضرورة تنظيم حملات توعية أو مشابهة بل هي ثقافة يمكن أن تتغير من الشخص نفسه وباقتناع تام فكثير من العادات والتصرفات جزء كبير نفسياً ما إذا تم اقتلاعها يتم العلاج (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد (11).

رباط المقال في جريدة الوطن: http://alwatan.com/details/202787