الأربعاء، 15 يناير 2020

ما أبشع مشاعر اليُتم...


في يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من يناير 2020 في الساعة التاسعة صباحاً كتبت هذا المقال حزناً وألماً على وفاة سيدنا ومولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه الذي وافته المنية في يوم الجمعة الموافق العاشر من يناير2020 وأعلن الخبر يوم السبت الموافق الحادي عشر من يناير 2020 في تمام الساعة الرابعة صباحاً ... خبر محزن خلّف ألماً أبدي في قلوبنا... نشر المقال في صحيفة الوطن العمانية 

مشاعر اليُتم 

في عصر يوم الجمعة العاشر من يناير وبينما كنت في نزهة عائلية يرن جرس هاتفي وأجيب لأسمع على الفور "عودي إلى المنزل يبدوا بأن هناك حالة طواريء فجميع من نعرفهم من الجيش قد تم إستدعائهم" أغلقت المكالمة وتصفحت على الفور وسائل التواصل الإجتماعي فكان الجميع يتحدث عن حالة تأهب إحترازية بسبب الأوضاع السياسية الخارجية، فلم يكن هناك من يتوقع ما لا نريد أن نتوقعه وما لم يخطر بيوم على بال أحدنا فذلك يوم بعيد، كما كنا نعيش في حالة الفرح التي أعلنت في آخر يوم من السنة الفائتة، الحالة التي جعلتنا نستقبل السنة الجديدة بكل تفاءل وفرح منتظرين أن يطل علينا ذلك الوجه الباسم البشوش الذي برؤيته تدخل السعادة في كل بيت عُماني وتستقر الفرحة وتتجدد مسيرة الولاء والعرفان لنمضي بكل حب وتفاني في بناء عُمان التي أراد لها أن تكون.
مر ذلك اليوم وأذهاننا لم تخرج من حالة التكهنات للأوضاع السياسية الخارجية القادمة ونحن على يقين بأن عُمان في مأمن لأن هناك عقل حكيم يتولاها وأب حريص على سلامة أبناءه من أن يؤذيهم أحد. مضت تلك الليلة ويا ريتها لم تمضي يا ريت لو الزمن توقف معها ولكن هذه مجرد أمنيات فاتت بددها جرس هاتفي مرة أخرى ليوقظني من حلم جميل في الساعة الرابعة وعشر دقائق صباحاً لأسمع هذه الكلمات "مات حبيب الشعب" نفيت بدوري الخبر وأغلقت الهاتف وركضت بإتجاه التلفاز فكانت الصدمة ويا لها من صدمة أيقضت فيني مشاعر عشتها قبل تسعة عشر سنة حينما توفي أبي وما أبشعها من مشاعر ممزوجة بالآلم والحزن واليُتم والفقد هنا توقف كل شيء وكأنها النهاية فالفاجعة ثقيلة على قلوبنا حتى أوقفت الدماء من أن تمشي في مجراها توقف الزمن وتعطلت عجلته عن الدوران حتى دموعي لم تعرف طريقها فتجمدت، أطل من النافذة ولكن الهدوء يخيم على المكان، أيعقل بأني ما زلت نائمة وهذا مجرد حلم أيعقل بأن هذه إشاعة أيعقل بأن القرآن الكريم في التلفاز كان لسبب آخر زادت الأسئلة في ذهني ولكن لا أحد يجيب فالجميع اختفى، ولكن بعد ساعات أيقنت أنها الحقيقة المره الحقيقية التي لا بد أن نستوعبها وأن نؤمن بها فهذا قضاء الله وقدره بأن تتيتم عُمان في ذلك اليوم الذي غادرنا من كنا نتباهى به بين الأمم غادرنا مصدر فخرنا وعزتنا وقوتنا غادرنا من كنت أفتخر بأن أبي كان أحد الأعمدة التي شاركته في فترة حساسة من بناء عُمان الحديثة كنت أفتخر عندما تتداول صورهم معاً ولعل أبرزها تلك الصورة التي كانت تجمع السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور والسيد ثويني بن شهاب آل سعيد وأبي رحمة الله عليهم جميعاً في سبلة أبي بقرية الهجاري في السنوات الأولى من بدايات النهضة المباركة والمراسلات التي كانت كان بينهم من أجل وحدة عُمان المتفرقة آنذاك ويا له من فخر عظيم بأني أبنة الرجل الذي أئتمنه السلطان الراحل في تلك الفترة المهمة والحساسة من عمر النهضة.
أن صفحات تاريخ السبعين والثمانيين والتسعين والعشرين سنه من الألفين مليء بأسمك وبإنجازاتك مولاي، حوائط المنازل والمؤسسات والمباني والكتب لم تحمل إلا صورك كلمات الأغاني والقصائد والأشعار زينها أسمك ،جوامعك ،جامعتك ،مستشفياتك ،وشوارعك القلاع ، الحصون وغيرها الكثير والكثير جميعها ستخلد أيضاً أسمك ونوفمبر سيظل مجيداً ويوليو سيظل أبياً كيف لا ونحن فتحنا أعيُينا على هذه الدنيا وعرفنا أن عُمان قابوس وقابوس عُمان فهما أسمان مرتبطان ببعضهما البعض لا يمكن أن يفترقان لم نكن نعلم بأن الموت يمكن أن يبعدهما ليكون قابوس تحت ترابها بدلاً من أن تمشي أرجله عليها.
عظم الله أجرك يا عُمان لهذا الفقد العظيم كما أننا نغبطك بأن ترابك يحتضن أبينا ومولانا وسيدنا نغبط كل من يسكن بجوار ذلك الجسد الطاهر ويمر بجوار جثمانة في غلا التي أستقبلتك وهي تبكيك وذرفت سمائها مطراً في يوم رحيلك وأفتقدتك السيب التي قضيت فيها دهراً وعمراً في صحتك ومرضك كما بكتك وستظل تبكيك منح وصحار وصلالة.
في مايو 2001 تيتمت لموت أبي وها أنا اليوم أتيتم مرة أخرى في يناير 2020 بشعور مضاعف كما هي عمان اليتيمة الموجوعة والمكسورة والفاقدة لأبيها وأعز وأصدق وأوفى رجالها وبانيها وحاميها وعزائها الوحيد في من أوصى به وأختاره ليكون خليفته ليكمل مسيرته العظيمة ونحن ماضون خلفه بإذن الله تعالى نكمل ما بنيت من أجلك ومن أجل عمان ورفعتها مبايعين السلطان هيثم بن طارق آل سعيد سلطاناً لعُمان لنكون معه يداً بيد لنكمل مسيرة البناء والتطور.


من اليمين جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، صاحب السمو السيد ثويني بن شهاب آل سعيد والشيخ سلطان بن سيف الحوسني رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته

الفقيد الغالي مولاي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه



المقال المنشور في جريدة الوطن