الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

ثلاثي الأبعاد : انتحالات .. ولكن

نشط في الفترة الأخيرة بعض الأشخاص (المثقفين) في اكتشاف سرقات أو كما أسموها “انتحالات” أدبية وعلمية لكتّاب ومؤلفين كانوا قد أصدروا كتباً ومؤلفات سواء كانت شخصية (حسابهم الخاص) وبعضها أنفق على إصدارها وتأليفها من مال الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى جانب تكاليف الترويج لتلك الإصدارات لتصل إلى ما وصلت إليه. ومن الانتحالات الأخرى التي تم الكشف عنها للمرة الثانية بعد أن تم الصفح عن الأولى والتي كان لي شخصياً تحفظ عليها لعدة أسباب، الكشف عن سرقة نصوص وفقرات بعينها لاستخدامها في كتابة مقالات أو كنصوص تحليلية وهذه المرة نشرت في صحف محلية، توقف بعض الكتّاب عن الكتابة حفاظاً على ماء الوجه، خاصة بعد أن رفضت تبريراتهم أما الآخرين، فواصلوا نشر نتاجهم ولكن هل وضعوا بعين الاعتبار بأن غلطة الشاطر بألف؟ أم أعتبروا أن ما قاموا به ليس انتحالاً بل هي استفادة مشروعة من كُتّاب آخرين، كما أن حسن النية ليس سذاجة في زمن لا يعترف بالجهل كعذر لتصرفاتنا.
قد يكون بعض هؤلاء الأشخاص الذين سخروا أنفسهم للبحث عن السرقات أو الانتحالات أنطلقوا من منطلق شخصي تجاه بعض الأشخاص، أو من باب القضاء على هذه الظاهرة التي ظهرت جلياً في الآونة الأخيرة، أو قد تكون موجودة سابقاً لكن لم يتبرع أحدهم للبحث والكشف عنها لذلك وكأن شيئا لم يكن، والزمن يغفر فينسى البشر والحمد لله على نعمة النسيان والغفران. والهدف في نفس من كشف وكتب ما اكتشف وهذا باب واحد فقط ولكن إذا فتحت أبواب أخرى قد يصبح الناقد منتقدا حينها، فهل سيتقبل ما يكتب عنه ؟! لن أسبر أغوار الأشخاص ولكن ما يمكن قوله بشكل عام إن المجتمع محب للنقد غير متقبل له لأننا قرنا النقد بالاتهام والهجوم وفرض العقوبات ومن ثم نسور هذا كله في سور النقد.
ولكن مع ذلك ما زلت أعتقد أن البداية لا تخلو من الجهل ومع مرور الوقت تتكون التجربة وتتراكم المعلومات حينها فإن الخطأ يصبح متعمدا ولكن لا يعني أنه لا يغفر وأن نسخر للنيل من هؤلاء الأشخاص وإدخالهم سجن المجتمع الذي لا يرحم بل ينتظر الفريسة ليرميها بالحجارة حتى تخدش. وفي الوقت ذاته يغتر المجتمع ببعض الكلمات التي يخطها أحدهم وينشرها في وسائل التواصل المختلفة أو وسائل الإعلام التقليدية أو يقوم بوضع قائمة كتب يقول إنه قرأها في أسبوع فيتم الاحتفاء به ووضع وسام المثقف المثالي الذي يحتذى به وأعتقد أن هذا ما حصل مع أحد الكتّاب الذي ذكرت في الأسطر الأولى أني أتحفظ على حالته والاتهامات التي كيلت له حيث إن ذلك الكاتب (المثقف) لا زال في بداياته ولكن المجتمع جعله يعيش في هالة المعجزة فبذل كل ما في وسعه حتى يحافظ على هذه السمعة التي تكونت حوله مما اضطره إلى اللجوء لبعض المؤلفات واختيار ما يتناسب وطبقته الثقافية العليا التي اكتسبها من أول سلم صعد فوقه وقد يكون اللجوء لتلك المؤلفات إما جهلاً باستخدام طرق التوثيق أو لاعتقاده بأن هناك الكثير من الحالات التي سبقتة ولم يتم كشفها وبذلك فإن جعل المجتمع في دائرة المغفل ليس صعباً ولكن لم يغفر له عثرته وكنت أتمنى أن يتعامل معه كتلميذ لا يزال يتعلم وليس مجرما لابد من معاقبتة مما اضطره لفرض العقوبات على نفسه وحبسها عن وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن إذا افترضنا أن الكاتب قاصد ومتعمد ما قام به مستغفلاً المجتمع في تصرفه ذاك أليس هناك من ينشر له وقبل النشر يتطلب التدقيق والمراجعة وخاصة الكتب والمؤلقات باختلافها والتي تسطر مجموعة من الأسماء على أنهم مدققون ومراجعون وغيرهما من المسميات التي تختفي ما أن تظهر هكذا مواضيع، ألا يتحمل هؤلاء الأشخاص المسئولية أيضاً بل المسؤولية كلها لأنهم قاموا بمراجعة ما كتب واعتمدوه، فإذا كان الكاتب غير صادق وغير دقيق فيما كتب فكان من الأولى أن يتم كشف ذلك من خلالهم وأن يحل الموضوع قبل أن تصرف آلاف الريالات على الطباعة والنشر فالأدق أن ينتقد المراجع والمدقق قبل الكاتب.
وأخيراً وما لفت انتباهي بعد أن نشرت مقالات كاشفة عن هذه الحالات ظهر بعض الأشخاص والذين لم يهمهم من الموضوع إلا اسم المؤلف أو الكاتب فانهالوا عليه بكلمات لا تليق ومستوى الموضوع (الثقافي والأدبي) لأن الكلمات المستخدمة بعيدة تماماً عن هكذا مواضيع فلننتقي الكلمات وإن كانت المواضيع مؤثرة وكبيرة، ليس من الضروري ركن الاحترام جانباً لفرد العضلات.


الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

سفرجت


على مقعد في سينما بإنجلترا أخذت مكاني في القاعة التي ضمت عددا قليلا جداً من الرجال وامتلأت بالنساء اللواتي تدل أشكالهن على أنهن تجاوزن الأربعين وهو الجيل الذي مازال مهتما بالقضايا الجادة في المجتمع البريطاني وكأنهن أتين ليناصرن إميلين بانكيرست رئيسة حركة سفرجت التي مكنت المرأة البريطانية من اكتساب حقها في التصويت عام 1918م عندما صوّت البرلمان البريطاني لإعطاء المرأة التي يتجاوز عمرها الثلاثين الحق في التصويت وفي عام 1928م خُفض العمر ليكون واحدا وعشرين وهو نفس العام الذي توفيت فيه إميلين، وذلك بعد صراع مع السلطة آنذاك والتضحيات التي قدمتها المرأة للحصول على حقها في التصويت سواء كانت تضحيات عائلية ومجتمعية في الوقت الذي ما زال فيه المجتمع البريطاني محافظ إلى جانب تضحيات العمل الذي هو مصدر أساسي للعيش في الطبقة الوسطى والفقيرة.
كانت إميلين تعيش مع زوجها وابنها الصغير في منزل جداً بسيط في إحدى ضواحي لندن ، كانت تساعد زوجها في توفير المال وذلك بالعمل في مصنع لغسيل وكي الملابس مع غيرها من النساء من نفس طبقتها اللواتي كانن يستحملن تصرفات المسئول اللاأخلاقية من أجل البقاء في العمل ، لكن إيميلين كانت تستفزها تصرفاته حتى أتى الوقت الذي حرقت فيه يده بعد أن كان يستفزها بعد انتشار صورتها في الصحف على أساس أنها ضد السلطة وخارجة عن القانون ومن هنا كانت التضحية بالعمل من أجل حفظ الشرف والمضي قدماً في الطريق الذي أختارته للمطالبة بحق النساء في التصويت ، وأما التضحية الأكبر عندما بدأت تشارك في المطالبة بحق المرأة في التصويت وإدخالها السجن مراراً كانت ردة فعل زوجها كردة فعل أي رجل في هذا العالم لا يقدر أمه وأخته وزوجته حيث أعتبر ذلك فضيحة وعار جلب لمنزله ولا بد من معاقبتها عليه فكان العقاب الأول طردها من المنزل وحرمانها من رؤية ابنها أما العقاب الأكبر والذي أكاد أجزم بأنها لو كانت تعلم به مسبقاً لما قادت هذه الحركة ألا وهو التضحية بأبنها وذلك عندما قام زوجها بتسليم ابنهما لعائلة ثرية ليعيش معهما فكانت الصدمة الكبرى لها والتي جعلتها تنهار ولكن إصرار الزوج على قراره جعلها لاتستسلم للأمر وتواصل مشوارها من أجل بنات جنسها وهذه أكبر تضحية ضحت بها إميلين ، ولكن في مقابل أنها فتحت باب للنساء الأوروبيات للمطالبة بحقوقهن في السياسة ومن ثم على مستوى العالم وكان آخرها السعودية التي سمحت للمرأة بالتصويت في عام 2015 أي بعد حوالي سبعة وتسعين عام.
هذا الفيلم الذي سلط الضوء على حياة إميلين وضّح الكثير من النقاط التي غابت عن البعض ألا وهي أن النجاح والحصول على الحقوق لابد أن تسبقه تضحيات كثيرة ومعاناة وحصول المرأة البريطانية على حق التصويت جاء بعد صراع وهي الآن تتمتع بالكثير من الحقوق ومنها الحقوق السياسية وحقها في البقاء مع طفلها لفترة طويلة حيث أن إجازة الأمومة ستة أشهر براتب كامل وبنصف راتب بعد الستة أشهر ، ولكن أن مقارنة وضع المرأة في المجتمعات العربية أو الخليجية بشكل خاص مع مجتمعات العالم المتقدم تعتبر مقارنة غير متكافئة ليس من باب أنهم الأفضل أو أكثر انفتاحاً بل لعدد من الأسباب أن تلك المجتمعات سبقتنا بقرون لتصل إلى الوضع الذي تعيش فيه الآن والمحافظة على الإنجاز البشري والتركيز على العقول بدلاً من الأدوات التي تحتاج إلى عقول ناجحة لتشغلها وتستثمرها مع أنها أي تلك الدول ما زالت تواجه تحديات كثيرة ومنها تحدي الدين الذي تاه عنه الكثيرون وهذه نقطة ضعف تحاول أن تصححها تلك الحكومات بطرق غير مباشرة ، ولكن هذه التحديات ليست على حساب المضي بالبشرية للأمام وقد يكون أقرب مثال يمكن أن يضرب هنا البنية التحتية والمباني التي تحكي عن عمر تلك الحضارات أما المجتمعات العربية العربية فهي الآن في مرحلة التغيير وتحتاج الكثير من الوقت لتصل لمرحلة الانفتاح الفكري النافع وتقبل الآخر والاختلاف معه ، فالاختلاف مقياس لتحرك المجتمعات نحو التغيير وأما الاتفاق فيعني بأن هناك رأيا واحدا مسيطرا يحاول أن يفرض على الجميع .
فيلم سفرجت لم يرو حياة إميلين بانكيرست بتفاصيلها الحقيقية بل زاد في بعض التفاصيل وغير بعضها وقد يكون للمخرج هدف من ذلك على الرغم من يقينه أن المجتمع البريطاني يعي قصة هذه المناضلة السياسية وأعتقد أنه أراد أن يكسب عاطفة المشاهد خاصة فيما يتعلق بطفلها وتضحيتها به فهذه الجزئية التي لم ترد فيما كتب عن حياة إميلين، العاطفة أسهل طريق لحشد الجماهير في كافة المجالات .



 

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

إيما


 راوية إيما للكاتبة جون آوستن لم تكن مجرد رواية عن إمرأة كانت تحاول أن تجمع رأسين بالحلال (الزواج) بقالب كوميدي رومانسي لفتيات الطبقة الغنية اللواتي يعانن من الخوف من عدم الزواج آنذاك (القرن التاسع عشر) على الرغم من فشلها في أكثر من محاولة ، ولكن الرواية حملت بين طياتها الكثير من تفاصيل المجتمع البريطاني بشكل خاص والأوربي بشكل عام فهي رواية وثّقت لتاريخ إجتماعي ثقافي لتلك البقعة من الأرض وهذا ما يحتاج إلى أن يعرفة الجيل الحالي الذي لم يعرف عن الثقافة والمجتمع الغربي إلا إنفتاحه اللامحدود والعيش من دون سقف للحرية في التصرفات والأخلاق وطبعاً التعبير عن الرأي ومحاولة التقليد دون أن يعي التدرج الذي أوصل بتلك المجتمعات إلى هذه المرحلة ، حيث أن هذه الرواية في فترة كانت المجتمعات الأوربية المحافظة تعترف وتحترم العادات والتقاليد والدين الذي كان أساس في تعاملات البشر والمرجع لحياتهم وذلك قبل أن تعبر إلى ضفة الحداثة بكافة جوانبها ،أي فترة أشبة بطبيعة حياة المجتمعات العربية اليوم.
كانت إيما (الخطّابة)  تحاول أن تُقرّب إثنين لبعض لكي يتزوجا وذلك بعد أن تحلل شخصية كل واحد من الجنسين وتقوم بإختيار الأنسب حسب وجهة نظرها وأن كان الشخصين لا يتقبل أحدهم الآخر وأحياناً تفرض رأيها في علاقة شخصين حتى لا يتزوجا وتحاول جاهدة إلى إفساد الزواج إذا لم تكن مقتنعة به ، ولكن إيما لم تنجح في مسعاها إلا في توفيق عدد بسيط وذلك لأن بعض الرجال وقعوا في حبها بدل من التقرب للطرف الآخر كما خططت إيما ، فأنتهى بها المطاف إلى أن تزوجت الرجل الذي كانت تحاول أن تقربه إلى صديقتها ، وبهذا كانت رسالتها أن الزواج ليست تشكيلة بشرية يمكن أن يشكلها أحد البشر (طرف ثالث) كما يريد بل هو تقارب بين روحين قد ينجح أو يفشل حسب طبيعة الشخصيات، وأعتقد بأن هذه الرواية كانت رسالة صريحة لتلك المجتمعات في تلك الفترة بأن لعب دور الوساطة بين شخصين قد لا يأتي ثماره وأن يترك الاختيار للطرفين لأختيار شريك الحياة ، فهذه من الروايات التي أحدثت نقلة في المجتمع البريطاني ووالأوربي بشكل عام ، بعد أن كان الزواج تلك الفترة من الروابط المهمة في المجتمع قبل أن تظهر فكرة الشريك (البارتنر) والتي تقوم على أساس أن يتشارك المرأة والرجل في مسكن واحد دون أي رابط إلا الرابط العاطفي والتفاهم وقد ينجبا أطفال وبعدها قد يقررون الزواج أو الأنفصال ، وهذه من نتاج الحياة العملية التي تركز على العمل أكثر من الأسرة والحياة الاجتماعية التي يحاول البعض في المجتمعات العربية تقليدها دون التفكير في نتائجها وما تعاني منه المجتمعات الغربية اليوم من تفكك أسري ودمار مجتمعي تحاول المؤسسات الاجتماعية والحكومات إصلاح ما يمكن إصلاحه من خلال وسائل الإعلام المختلفة .