الثلاثاء، 22 مارس 2016

من وحي البامبو




ما أن يولد الطفل حتى يجد نفسه بين يديّ غريبتين تصبح بعد فترة أقرب إليه من صلة الدم ومن الجسد الذى آتى به للحياة ، نفس هذه اليد تُحضّر له الطعام تهتم بنظافته مسئولة عن أي تقصير إتجاهه يكبر وتكبر هي في بيته أو يأتي من يحل محلها ليؤدي نفس الدور فتصبح شيء ضروري في حياتة لا يمكن التخلي عنه ولكن هذا الكائن البشري الذي يتوفر في معظم البيوت الخليجية تقريباً هو جزءاً من المنزل وفي كثير من الأحيان يعتبر أداة رئيسية لا تستقيم أعمال المنزل بدونها وأقول أداة لأنها تجرد من الإنسانية ، حيث توكل إليها أشياء لا يمكن ان تؤدّيها منطقياً في وقت محدد إلا آله من صنع البشر معدومة من المشاعر والأحاسيس ،يجب عليها أن لا تتوقف عن العمل إلا إذا حانت ساعة نوم أفراد الأسرة وعندما تكون قد أنهت أعمالها كاملاً التي تتكرر كل يوم طبخ ، غسيل ،تنظيف ورعاية أطفال وغيرها من الأعمال التي توكل إليها ، يصل الموضوع لدى البعض بالحرمان من وقت  وقت الراحة لأنه يدخل في دائرة الدلال، والآلم والمرض غير مسموح إلا بحدود ، وما يتناولنه من طعام يكون بقايا الوجبات ولا يسمح لها بأكل الطعام الذي تفضله وإذا فعلت ذلك فعليها ان تتحمل النتيجة وهنا أتكلم عن حالات وهي كثيرة وليس عموم، وبما أن لكل شيء في هذه الحياة طاقة إذا تعداها فقد يؤدي ذلك إلى الإنفجار وهذا ما يحدث لدى البعض فيكون الإنفجار على هيئة جريمة تنفذ على أفراد العائلة ، هذا لا يعني تبرير الجرائم التي بدأت تطغى على السطح في الآونة الأخيرة ولكن سوء المعاملة عامل أساسي لا يمكن تهميشه، إضافة إلى جهل الخلفية المجتمعية والثقافة التي تحملها تلك الخادمة التي أتت من أحدى دول شرق آسيا ، فقد تكون هربت من ظروف قاهرة وأهمها الفقر الذي حرمهن من الكثير من الحقوق وبدد العديد من الأحلام التي لم يستطعن جعلها واقع وهذا ما ذكره سعود السنعوسي في روايتة ساق البامبو ، فالخادمة الفلبينية جوزفين كما هو اسمها في الرواية والتي هي أم الضحية عيسى كانت لديها طموح وترغب في مواصلة تعليمها وعلى درجة عالية من الثقافة ولكن ما آلت إليها أختها بأن تاجر بها أبيها وجعلها بضاعة للرجال من أجل الحصول على ما يمكن العيش به نسفت به إنسانيتها وأحالتها إلى مدمنة بعد أن أنجبت طفلة مجهولة الأب ، كل هذه الأحداث جعلت من أم عيسى -الكويتي الجنسية والفلبيني الملامح- أن تبحث عن مخرج يبعدها عن هذا العالم فكان الخيار الأفضل حينها العمل كخادمة في الكويت ، ويا كثر من يعملن في مجتماعتنا وهن يحملن نفس هذه الظروف أو أكثر شدة منها فمن يقدر أن يبتعد عن عائلتة لسنوات مقابل خدمة في بيت أحدهم لا يرضى بها إلا من أبعدته ظروف قاهرة فكثير منهن لديهن أطفال غير شرعيين مقابل الحصول على المال ليتمكنن من العمل في دول الخليج ، وما يتقاضينه من راتب يذهب لسد الديون للمؤسسات التي ساعدتهن في الحصول على العمل وقد يستمر ذلك لسنوات وفي المقابل ترمى هذه الظروف ولا ينظر لها ويتم التعامل مع الكائن البشري كآلة فقط عليها أن تؤدي ما يوكل إليها وأحياناً تستغل من أجل إشباع رغبات كما هو حال جوزفين التي تزوج بها المثقف راشد عرفياً من أجل نسيان حب رفضته العائلة المعروفة وهروب من واقع مرفوض بالنسبة له فكان الإنتقام بالزواج العرفي والآتيان بعيسى للحياة التي رفضته من اجل العادات والتقاليد والأعراف التي ترفض الملامح وتنبذ بعض جغرافيا الأرض فلا تعترف به كإنسان له حقوق لأنه في النهاية ابن خادمة عملت من أجل الكسب الحلال ومن أجل عائلة كانت تنتظر ما تجنية نهاية كل شهر حتى لا ترفضها الحياة فتردي أفرادها جوعاً وظلماً في أقرب حفرة على الأرض ، السنعوسي كشف عن هذه الظروف التي إذا ما كشفتها الخادمة أخذت على أنها كذبة من اجل جلب الشفقة ولكن هذا هو الوضع الحقيقي الذي هو أقرب إلى مسلسل مبنى على قصة واقعية ، ومن أين يأتي كتاب الدراما بقصصهم إلا من الواقع؟ّ!!
كثيرة هي نماذج جوزافين والتي أساساها الظلم وغياب العدالة الاجتماعية ، أنه وقت التغيير فحقوق الإنسان تشمل كل إنسان بغض النظر عن الجنسيات وبتفهم الثقافات والظروف تحل الأزمات وبالتالي ستقل الجرائم . شكراً لساق البامبو التي الرواية التي أزاحت الستار عن المستور .


الخميس، 10 مارس 2016

آلام الترجمة

من منا لم يختبر الآلم ويذقه بشكل يومي بشكل مباشر أو غير مباشر، فالإنسان مفطور على الآلم منذ ولادته فهو يخرج للحياة وهو يبكي والجسد الذي أخرجه للحياة عانى أشد أنواع الآلم وأكثرها على الإطلاق لذلك يقال ان المرأة كأنما تبعث للحياة من جديد بعد الولادة، كل شيء في الحياة لا يخلو من الألم نتاج الإنسان يتألم فشاشات التلفاز تنقل الآلم عبر المشاهد التي تنقلها للجمهور والسيارة تتألم عندما تتلطخ بالدماء بعد حادث مميت والأشجار تتألم من المحل ومدن تتألم عندما يغرقها الفيضان حتى الكلمات تخرج حزينة من تجربة شاعر يتألم أو أديب يتعذب، كثير هو الألم ومفروض علينا في هذه الحياة ومن لم يذق الألم فهو لم يختبر الحياة ولم يجربها كما ينبغي وهذا الشخص لم يأت بعد للحياة أو لن يأتي أساساً، فإذا كانت الحروف تتألم فكيف ببني البشر، وهذا ما أنا بصدد الحديث عنه وهو ألم الكلمات، الكلمات تتألم وتؤلم من يقرأها وليس الكلمات التي تحمل حزناً أو أسى فقط، لا ليست هي وحدها من يتألم بل رأيت بعض الجمل تتألم عند ترجمتها وكأنها تقول أسعفوني فقد أرهقتني هذه الترجمة، بعض المترجمين عندما يترجمون الكتب باختلافها يرتكبون جرائم في حق النص الأصلي فتخرج الكلمات متألمة لا يداويها إلا المترجم الشاطر لذا توجد الكثير من الكتب من لغات أخرى ترجمت للعربية لمترجمين عدة ولكن هناك من أجاد الترجمة وساهم في إعادة كتابة النص بلغة جميلة مفهومة لم تحدث أي أخلل في النص الأصلي بينما ترجمات أخرى خرجت من قالب النص الأصلي وقفزت به إلى عوالم أخرى فاختل النص ولم يصل للقارئ كما يجب أن يصل فأصبح هناك كتاب مترجم درجة اولى وآخر درجة ثانية وهكذا .
وبما أنني من عشاق الكتب المترجمة فقرأت قبل فترة كتاب الخيميائي وكنت قرأت نفس الكتاب لمترجم آخر إلا أني خرجت بأفكار وروئ مختلفة فكان من الأفضل أن يتم اعتماد نسخة واحدة من هذا الكتاب حتى لا تتأثر سمعة الكتاب والكاتب ولا يتأثر بسبب ترجمة لا ترقى ومستوى الكتابة الأصلية فكانت الكلمات تتألم بسبب رداءة الترجمة في النسخة التي قرأتها أولاً وكأنها حبست في سجن انفرادي بينما كانت تطير حرية في النسخة الأخرى لأنها حملت معنى الكتاب الأصلي وروحه من خلال الترجمة المتقنة، والتي دائماً ما أجدها في دار المنى (السويد) في معرض مسقط للكتاب.
وهناك حادثة هي ما قادتني لكتابة هذا المقال سردتها لي من عاشت تجربة حزينة بسبب ترجمة وذلك عندما انضمت لفريق خيري في أحد بلدان شرق آسيا فقاموا بتنفيذ مشروع ترجمة القرآن الكريم كنوع من التطوع وتوزيعه على الأطفال الفقراء حيث إن الفريق لا يملك أي دخل مادي ولا يستطيعون شراء نسخ بترجمات أصلية، وبعد مضي سنة ونصف تقريباً تلقى الفريق شكوى بأن الكثير من الكلمات المستخدمة في ترجمة القرآن قد أخلت بالمعنى وأخرجت النص عن معناه الحقيقي والمشكلة الأكبر أن هذا الفريق أعلن مسابقة لحفظ القرآن من خلال تلك الترجمة، مما تطلب الأمر جهداً مضاعفا ليصلوا لكل الأطفال التي وزعت عليهم النسخ ولإبلاغهم أن المعنى غير صحيح، حادثة مثل هذه وإن كانت على مستوى عدد بسيط من الأطفال ولكنها تدل بأن الترجمة علم إذا لم يتقن فإنه قد يشوهه تاريخ ويحطم مبادئ ويحرف رسائل سماوية ويدمر أمما. فلا مبالغة إذا قيل ان الكلمات تتألم وهي ترجمة خطأ وتنقل من لغة إلى أخرى حاملة معها ذنب مترجمها .
لا تدعوا الكلمات تتألم من جهل فيكفي ألم الإنسان الذي أرهقها وجعلها تعيش في نزيف دائم ، الكلمات لابد أن تحترم لتصل إلى القارئ باحترام.
وهنا أتساءل: أليس هناك مؤسسة عالمية تُعنى بمراجعة الكتب المترجمة قبل اعتمادها للنشر ؟ إن وجدت فهي المسئول الأول عن جرائم الترجمة وليس المترجم وحده من يتحمل الذنب .

رابط المقال في الجريدة:

   http://alwatan.com/details/102132