الأربعاء، 31 مارس 2021

المهاجرون… رحلة اللاعودة

 

بعد انقطاع دام السنة والنصف عن قراءة الروايات للتركيز في أجواء الدراسة عدت لقراءة رواياتي المفضلة وهي الروايات التاريخية التي تحمل بين طياتها عمق تاريخي معرفي  كونها تقدم معلومة تسهم في قراءة واقع الشعوب والدول في الفترة التي كُتِبت عنها، وبما أني عشت تجربة الهجرة المؤقتة من أجل العلم ومعاناتها على الرغم من قصر الفترة، لذلك اخترت أن أبدأ العودة للقراءة مع الرواية السويدية المهاجرون لكاتبها السويدي فيلهلم موبيرغ،وهي الرواية الأولى لملحمة رباعية تاريخية كتبها موبيرغ عن المهاجريين السوديين تلتها رواية في البلاد السعيدة ثم المستوطنون الجدد وآخرها الرسالة الآخيرة إلى السويد.

المهاجرون رواية حملت بين طياتها معانة السويديين والأسباب التي جعلتهم يغادرون الأرض التي نشأوا فيها تاركينها إلى اللاعودة، لذا أسهب الكاتب في التفاصيل كونه عاش المعاناة، وبما ان الرواية مترجمة للعربية فقد تكون الترجمة أفقدتها جانب التشويق في بعض الاحداث فجاءت مملة أحياناً وخاصة التفاصيل التي دارت على متن السفينة التي شهدت الهجرة الأولى.   

 دارت أحداث الرواية في القرن التاسع عشر وبالتحديد في سنة 1850م، في أبرشية ليودر الواقعة في مقاطعة سمولاند بالسويد حيث نشأ الكاتب وعاشت عائلة نيلس ابن يعقوب، من هناك بدأت أحلام هجرة السويديين إلى أمريكا أو كما يسمونها آنذاك العالم الجديد، تلك الاحلام التي لم تتشكل خلال فترة القيولة أو النوم ليلاً ولكنها كانت أحلام يقظة في عقول داخل أجساد مرهقة ومتعبة من ذل الحياة ومرارة العيش التي كانت معظم شعوب أوربا تعاني منها آنذاك بسبب الظلم الإجتماعي وسوء توزيع الثروات والعبودية وسيطرة نظام الكنيسة والرهبنة القمعي. وبما أن معظم أهل المقاطعة يعملون في الزراعة حيث لم يكن يعرفوا من الحياة الإ تراب الأرض وما يزرع بها من أشجار للانتفاع منها للأكل وأستخدام حطبها لإشعال النار شتاءً وإطعام الحيوانات لأستخدامها في التنقل وأكل لحومها، لذلك ما أن يبلغ اطفالهم الثامنة حتى يبدأون في العمل في أراضِ المزارعين الذين يملكون مساحات كبيرة أو إقطاعيات، ويقضي الطفل حياته لخدمة تلك العائلة فهو عبد لديهم لا يحق له التمتع بحياته أو حتى زيارة أهله ما لم يسمح له ذلك ويخصص له سرير في أسطبلات الخيول أو غرف الأبقار والماعز ولا يحق له أن يطلب غير ما يقدم له وقد يتعرض للضرب والعنف إذا اشتكى أو لمح برغبته لتحسين وضعة وهذا ما حدث لروبرت ابن عائلة نيلسن لذا استسلم للأحلام والطموح والتي أخذته للتفكير في العيش خارج هذا الإطار المعيشي البأس لأن يكون مزارع في بلد آخر حيث يعامل كإنسان يكسب من أجل لقمة عيشة، وبما أن روبرت كان يطّلع منذ صغرة على الأخبار التي كانت ترد من الدول والعوالم الأخرى فكر في الهجرة إلى أمريكا حيث كانت الكثير من القصص والأخبار تتداول عنها وكأنها البلاد الوردية التي تتحقق من خلالها الأحلام لا يسكنها الفاسدون، ولكن الحلم كان صعب المنال حينذاك، وبعد أشهر من المعاناة اضطر للهرب من مالكه واللجوء إلى عائلته التي كانت ستعيده إلى رب عمله لكونه وفق القانون مخالف ويحق معاقبته ويسلم لرب عمله لمعاقبته كيفما يشاء، ولحسن حظة وجد آخية الكبير وهو كارل أوسكر الذي اتعبه الوضع الإقتصادي وفقدان ابنته الكبرى يفكر بنفس تفكير أخية ومن هنا بدأ الحلم يقترب من الواقع، وخاصة أن الكثير من أهل المقاطعة  كان لديهم نفس الحلم لكن من دون أن يبوحوا به خوفاً من العواقب، منهم أولائك المناصرين لعقيدة الآكية المحافظة التي تمنع تناول الكحول وهي جماعة دينية متشددة يطبقون تعاليم الكنيسة الأولى، منعتهم الكنيسة من إقامة إجتماعاتهم الدينية البسيطة وبسبب التضييق الذي كانوا يعانون منه قرروا الهجرة إلى بلد كان يشاع عنها بأنها قارة يعيش الكل سواسية فيها ويمارسون طقوسهم كيفما شاءوا فهي بلد الحرية.

يوم بعد يوم بدأت الأعداد تتزايد حتى أتى يوم الهجرة الموعود، وبالرغم من ان الحلم بدأت خيوطة تنسج إلا ان الخوف كان ملازم للجميع وخاصة كريستينا زوجة كارل أوسكر التي قرأت عن البحر الذي سيسافرون من خلاله الكثير من القصص المرعبة والتي تنتهي في قاعة قبل الوصول إلى الوجهه، ولكنها ألتزمت الصمت ورافقت زوجها في رحلة اللاعودة بصحبة أطفالها الثلاثة والرابع الذي كانت تحملة بين أحشائها، وذلك من أجل تأمين مستقبل آمن لأبنائها وذريتهم. ومن ميناء كارلسهامن انطلقت الرحلة الموعودة على متن سفينة تشارلوتا وهي سفينة شحن كانت تنقل البضائع ولكن بسبب طمع ربانها لكثرة المسافرين فنقل من خلالها أجساد كانت تتوق لرؤية العالم الآخر والعيش بطعم الحرية الذي لم يذوقوه في حياتهم بل سمعوا عنه فقط. بدأت قصص معاناة أخرى على منتن السفينة وقذفت الكثير من الأجساد في قاع المحيط وبقى من تشبث بأمل الحرية بمشاعر غير واثقة وغير مستقرة. كانت هذه أولى الأسر التي غادرت السويد تبعتها هجرات كثيرة حتى وصل عددهم إلى المليون مهاجر أي ما يعادل ربع السكان آنذاك.

اختتمت الرواية بنهاية مفتوحة تجبر القارئ على قراءة الرواية التي تلتها وهي رواية في البلاد السعيدة والتي يبدوا من عنوانها بأنها تحمل تفاصيل مغايرة عن رواية المهاجرون التي كانت كئيبة حيكت في زمن أسود قاتم عاشه الأوربيون قبل قرنيين من الزمن ويعيشه العرب في هذا العصر، لذلك فأن جميع المشاهد التي قرأتها بين سطور الرواية شاهدتها منذ أشهر قريبة في شاشات التلفاز عندما كان العرب يهاجرون لنفس الأسباب الاقتصادية التي ولدّتها الحرب والأنظمة العربية الاستبدادية الفرق أن السويديون غادروا موطنهم ووفق نظام السفر وبوثائقهم الحقيقية ولكن العرب غادروا في ظروف لاإنسانية لوجهه مجهولة، حملوا أجسادهم فقط ليرموا حملهم في أقرب شاطيء يأمن لهم السلام والأمان، السويديين هاجروا قبل قرنيين أم هجرة العرب فكانت في القرن الحادي والعشرون؟!!!  


رابط المقال المنشور في جريدة الوطن

http://alwatan.com/section/calture/page/2