الأربعاء، 17 يونيو 2015

بانسيون عبدالله النعيمي

على الغلاف الخلفي لرواية البانسيون، كتب عبدالله النعيمي “في بروكسل تخرج الفتاة من الحانة مخمورة، وهي لا ترتدي إلا القليل من الملابس، وتمر في أزقة ضيقة وطويلة ومعتمة ومليئة بالمقاهي المكتظة بالرجال، ومع ذلك تكمل طريقها بسلام، دون أن يتحرش بها أحد وفي أماكن أخرى من العالم حيث يسود التشدد والغلو والتطرف تجد الفتاة المحتشمة لا تستطيع أن تركب أوتوبيساً أو تستخدم مصعدا خوفاً من المضايقات، رغم أنها تعيش وسط مجتمعات تتغنى بالفضيلة ليل نهار فأين تكمن الفضيلة، يا ترى في أجساد النساء أم عقول الرجال؟”
هذا المشهد الذي اختصره النعيمي في بروكسل، عاد بذاكرتي لذلك الرجل التركي المسلم الذي ترك عائلته وبدأ يبحث عن معنى للحرية المسئولة وعن الدين في التصرفات وليس الأقوال في بلد غير بلده، فوجد ضالته في أمستردام منذ أن كان مراهقاً وهو الآن جد لأربعة أطفال، آثر أن يترك بلده ويعيش حياة مليئة بالسلام والقلوب الصافية والأخلاق التي أمر بها الإسلام والتي لم يجدها في بلده المسلم وهو الآن في مرحلة الشيخوخة يقول: “أفضل خيار اتخذته بأن أعيش هنا لأني الوحيد من عائلتي الذي عشت في سلام داخلي وتعلمت الإسلام فاقتنعت به وصرت سفيرا له في هذه البلد، فاحترمني الجميع لأخلاقي وتصرفاتي معهم”.
نفس المشهد يتكرر في الكثير من الدول الأوروبية التي تدين بدين غير الإسلام، تلك المجتمعات التي في غالبيتها تحترم العقل لأن ثقافة المجتمع قامت على ذلك وآمنت به والدين بالنسبة لهم قناعة وليس تلقينا وتفسيرا دون اقتناع، فتتناقض التصرفات والأخلاق عن الكلام البعيد عن قناعة الشخص، وهنا ما يبرر تصرفات الرجل العربي (البعض) في المجتمعات العربية الذي ينادي بالفضيلة ولكن هذه الفضيلة تتوقف في بعض المواقف وتنقلب إلى فضلات يرميها على المرأة، في بعض المجتمعات العربية تخرج المرأة ولا يرى منها إلا عيونها ولكنها لا تسلم من الرجل فيبدأ في ملاحقتها لأن مثل هذا العقل الذكوري حصر المرأة في الجسد الذي أمامه فقط وهذا هو العقل ذو الغريزة الحيوانية التي تنسف كل شيء من المرأة وتختصره في جسد للاستخدام الذكوري.
قد يقول قائل يجب على المرأة ألا تجعل نفسها عرضة للرجل وأن تحشم نفسها، نعم .. يجب أن تكون كذلك ولكن أصابع اليد ليست واحدة، لكل امرأة تفكيرها وتوجهها وإلا فما رأينا على سبيل المثال المغنية والراقصة وغيرهما ممن يقمن بأعمال ما زالت بعض المجتمعات لا تتقبلها بحكم الدين أوالعادات والتقاليد، فهذه الفئة من النساء مقتنعات بما يقدمهن وبأن لديهن رسالة للعالم والمجتمع تصل بالطرق التي اختيرت من قبلهن. وعلى الرغم من أن الإسلام نهى المرأة عن الكثير من التصرفات، لكن الدين قناعة، فإذا غابت تلك القناعة فلا فائدة من جعل الدين ملابس تغطي الجسد فقط ليكون دينا ظاهرا. وبينما يفعل الإنسان ما يعصي به الله فيكون واقعياً بلا دين، وهناك من يطبق العكس فيكون الدين في الأقوال التي تطبق في الأفعال بينما ظاهرياً لا يبدو عليه الالتزام.
وهنا تكون الإجابة عن سؤال عبدالله النعيمي: (أين تكمن الفضيلة يا ترى في أجساد النساء أم في عقول الرجال؟) هي في العقل لكلا الجنسين، فالإجبار بكافة أشكاله لم يعد وسيلة لصلاح المجتمعات وهذا ما نتج عنه عدم الإحساس بالأمان مهما كانت الشعارات الدينية المرفوعة، وهذا أيضاً ما كانت تدور حوله رواية البانسيون، فعلى الرغم من أن الظروف في الرواية كانت مناسبة لكل من يفكر في المرأة كجسد، إلا أن عقل “وليد” بطل الرواية كان أكثر رقياً في التفكير ومقتنعاً بالدين وقناعته تلك ترجمت في أخلاقه وتعامله مع النساء، على الرغم من أن هناك من تحاول إغواءه لكنه آثر عليها وجعلها تعيد التفكير في تصرفاتها والأخرى عاملته كأخ فاحترمها واتفقا.
حفظنا الله وإياكم من شرور المرائين بالدين والحاقدين عليه، ولقاؤنا القادم بعد الشهر الفضيل.
 http://alwatan.com/details/65125


الثلاثاء، 9 يونيو 2015

وسائل التواصل ليست كل الأصوات... أحمد الشقيري نموذجاً

وسائل التواصل الإجتماعي أو وسائل الإعلام الحديث ، لم تعد المنصة التي من خلالها توصل الآراء ووجهات النظر حول القضايا والأحداث أو تبادل الأخبار فقط ، بل تعدت ذلك لتكون متنفس للبعض لحالة يمرون  بها أو تصفية الحسابات الشخصية أو للتحريض والفتن وغيرها من الأمور التي لا تجد متسع لها في الإعلام التقليدي بحكم القوانين والضوابط أو العقلية التي تمر عليها المادة الصحفية قبل نشرها فهذه جميعاً تلعب دور في غربلة ما يمكن نشره من عدمه ، وبالطبع فأن الإعلام الحديث كسر كل هذه الحواجز ولكن ليس كل كسر للحواجز يعني الحرية التي كنا ننتظرها وخاصة أن البعض لم يعي معنا الحرية في التعبير عن الرأي فجسدها في الكلام عن كل ما هو ممنوع سواء كان ذلك الممنوع في السياسة أو ما يخالف الدين والضوابط المجتمعية والتي يمكن تسيء للآخر بطريقة أو بأخرى أما البعض فرأى بأن الحرية هي التطاول على الأشخاص وأختراق جدار الأخلاق بالقذف والسب وما إلى ذلك من المفاهيم الخاطئة للحرية الغير مسئولة.
ولكن هذا لا يعني أن هذه الوسائل تمثل صوت كل الشعب بل هناك فئات لا تستخدم هذه الوسائل بالأخص كبار السن والذين يعتقدون أن هذه الوسائل لا تمثل جيلهم فهم لهم وسائلهم الخاصة للحصول على المعلومة وفئات أخرى لها حسابات في هذه المواقع ولكنها تكتفي بالمتابعة ناهيكم عن الذين يقطنون المناطق التي لا يصلها الإرسال ولا يستخدمون التقنية بكافة أشكالها وهنا أتذكر (مصبح) ذلك الرجل الذي صادفنا في طريق العودة من جبل شمس فكان لا يعرف شيء عن الهاتف النقال ولا يشاهد إلا القنوات المحلية أحياناً أليس مثل هؤلاء الأشخاص يعتبرون صوتاً ويجب الأخذ برأيهم .
تطرقت لهذا الموضوع بعد زيارة الإعلامي ومدمن التحسين (كما يصف نفسه) أحمد الشقيري الذي زار عمان مؤخراً في مهمة عمل ، وكان الشقيري قد خصص حلقة في برنامجه الشهير خواطر الموسم الثامن للحديث عن (إعادة التدوير) واتى بنموذج لأحدى المراكز التي تقوم بإعادة التدوير وتوزيعها على الدول المحتاجة لهذه الأجهزة ومنها عُمان ، فما كان من بعض المتواجدين في وسائل التواصل الاجتماعي وقبل ان يعرفوا خلفيات الموضوع إلا أنهالوا على الشقيري بكلمات لا تمثل إلا فئة قليله وهي تمثل نفسها بالكلمات التي استخدمتها وفي الطرف الآخر هناك من تناول الموضوع بشيء من الحكمة باحثاً عن حيثيات الموضوع وهذه الأصوات التي نحتاج إليها وليست الأصوات المندفعة في لحظة غضب ، فما كان من الشقيري إلا أن توجه بكلمات الشكر لكل من كتب حول الموضوع سواء كان مع أو ضد ما طرحة الشقيري خاصة بعدما أوضح في صفحاته على وسائل التواصل بأنه استند في معلوماته على قاعدة البيانات التي في المركز دون ان يقصد أن يسئ لعمان وأهلها بطريقة أو بأخرى.
إلا أن زيارة أحمد الشقيري وأختياره عُمان لتسجيل مشاهد من الموسم الحادي عشر وهو الموسم الأخير من برنامجه خواطر أوضحت شيئين مهمين وهما أن الاستقبال الذي حظى به الشقيري في عُمان وخاصة في بيت سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام السلطنة والترحيب الذي لقاه في المناطق التي صور فيها المشاهد وكذلك تداول صوره بفرح وسعادة والأماكن التي تواجد فيها ما هي إلا دليل على أن ليس كل ما يُكتب في وسائل التواصل يمثل صوت الشعب العُماني فقد تكون قلة قليلة تتحدث عن الموضوع وتثيرة بطريقة تسيء للآخرين وبان هناك أصوات لا يمثلها تويتر أو غيره من الوسائل الحديثة وأن ما حدث من ردة فعل حول ذلك الموضوع كان في لحظات غضب قبل أن تُعرف خلفيات الموضوع.
الشيء الآخر بأن أحمد الشقيري لا يحمل إلا كل الحب لعُمان وأهلها وبأنه يعترف بالنجاح أينما كان فأختياره لموضوعيين من عُمان ليكونا في الموسم الأخير من برنامجه ما هو إلا دليل على أن عمان نموذجاً للنجاح وظهور بعض الأصوات السلبية لا تعني غض النظر عن قصص النجاح .
وأخيراً وما أردت قوله بأن وسائل التواصل ساعدت على إيصال صوت الشعب ولكنها لا تمثل الكل لكونها ما زالت وسائل حديثة في مجتمعاتنا وأن نسبة كبيرة من مستخدميها يمثلون فئة الشباب والمراهقين  الذين ما زالوا يخبرون الحياة ويتعلمون منها.


sahaf03@

الثلاثاء، 2 يونيو 2015

ما لم يتبقى من ملائكة الجبل الأخضر


ابتدأت معرفتي بالجبل الأخضر من ميدان التحرير بمصر وبغداد والكويت حيث دارت الأحداث الأولى لرواية "ملائكة الجبل الأخضر" للأديب الراحل عبدالله الطائي ، تلك الرواية التي درات أحداثها الرئيسية في الجبل حينها عرفت أن الجبل ليس فقط مجرد ثمار الرمان والخوخ والمشمش والتين وغيرها من الثمار التي يشتهر بها الجبل والتي ارتبطت في الذهن من خلال كتاب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية حيث تم تجسيد الجبل أنه مكان زراعي يمتاز بجو جميل معظم السنة نظراً لإرتفاعة الذي يبلغ 3000 متر عن سطح البحر ، بل هو شاهد على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ عمان المعاصر ، حيث الحجارة ، تفاصيل الجبل القاسية ، جذوع الأشجار الصامدة ،حيوانات الجبل (الوعل الجبلي الفهود والغزلان) وملامح الوجوه الخشنة التي يرسمها البرد على جلودهم، كلها تحكي تاريخ كتبه العمانيين على ذلك الجبل ، وليس أي عماني هو فقط ذلك الذي تحدى المخاطر وجازف بحياته وقاده حب الأرض والوطن ليصعد 3000 متر فوق سطح البحر في مرحلة تنعدم لوسائل المواصلات والحماية ، رحلة الصعود لم ولن تكن سهلة ، إذا كانت هذه الأيام ومع توفر الخدمات من طرق وخدمات في الجبل يبقى الصعود والنزول صعب وتعمير الجبل أصعب إذن كيف كانوا يكافحون من أجل الصعود إليه والنزول منه ما الذي كان يجبرهم على البقاء في الأعلى على الرغم من الحياة كانت متاحة في الأسفل .
إنها إرداة الإنسان العماني الذي يحترم أرضة ويكافح من أجلها ليسجل تاريخ في حب أي بقعة من عُمان ينتمي أجداده وآباءه إليها فيبني ويحرث ويزرع مهما كانت التفاصيل صعبة ومؤلمة .
كثير من الأحداث التاريخية التي مر بها الجبل تمر كشريط فيلم سينمائي أمام عيني وأنا في رحلة الصعود لقضاء عطلة نهاية الأسبوع كنوع من السياحة الداخلية ، تلك الأحداث التي تتزاحم بالشخوص والمواقف التي كان هدفها بناء عمان حديثة تقدم نفسها للعالم في كتاب ملئة النجاح والكفاح والتجارب الإنسانية التي حجزت لنفسها أوراق مشرفة في كتب التاريخ ومجلداتة ، وعلى الرغم من أن نقطة الشرطة تستقبلك بإرشادات للسائق والطريق معبد ومزود بمخارج للطواريء لرحلة النزول إلا أن الحذر واجب ، من حذر (وداد وشريفة) النساء اللواتي تسلقن الجبل كما جاء ذكرهن في رواية الجبل الأخضر ، إلا أنه وبكل آسف ليس كل من يصعد للجبل يعرف قيمتة التاريخية والطبيعية والجيولوجية ، فرأيت أشخاص لا يحترمون المكان والاهالي في ملبسهم فهم هدفهم السياحة والاستجمام دون أن يعيروا أهمية للعادات والتقاليد وإحترام الآخر صاحب الأرض ، فهم يلامون على تصرفاتهم واللوم يقع أيضاً على الجهة المعنية حيث لا توجد لوائح توعوية للتذكير بهذه الجوانب .
ولكن هل يحتاج أهل البلد لتوعية للحفاظ على أرضهم وهل يحتاجون لتذكير بما جاء في تعاليم الإسلام ؟! ولكن كما يقال (التذكار يعلم الشطار ) ففي منظقة (إيليا) حيث استقرينا كان في الطرف الآخر مجموعة من الشباب العمانيين الذي يبدوا أنهم قضوا الليل هناك وبعد مغادرتهم المكان ، بدأ الأطفال باللعب والجريء حتى وصلوا إلى مكان هولائك الشباب فوجدوا الهدايا التي تركوها للبيئة وكانت عبارة عن عشرات الزجاجات والعلب المعدنية لمشروبات (روحية ) تركت للجبل ، أعتقد بالحرية الشخصية فكل إنسان يحاسب منفرداً ولكن عندما تكون تلك الحرية على حساب الآخرين فهنا نرفع أكفنا للتوقف ، فأن كنتم غير قادرين على احترام تاريخ ذلك الجبل العريق والأجساد المناضلة التي دفنت تحت صخوره والشواهد التي صمدت لتوثق ذلك التاريخ فلا تجعلوا من الجبل مكان لتنفيذ تصوركم عن الترفيه والسياحة .
(جبال عز رحبت بضيوفها هي للإباء وأهله عنوان ، شمخت أمام الطامعين عزيزة وجرت بوافر جودها الوديان
وسهولك الخضراء أروع لوحة نطقت بسحر بيانها الألوان) ... الدكتور مانع سعيد العتيبة


خولة بنت سلطان الحوسني
 @sahaf03