الثلاثاء، 26 يوليو 2016

يوليو الذكريات





صوتاً للنهضة نادى 
هبوا جمعاً وفرادى 
قابوس للمجد تبادى
فبنوا معه الأمجاد
يا أبناء عمان الأجواد ...
هذه الكلمات كانت دائماً تصدح عند نهاية طابور المدرسة معلنةً الوقت بالدخول للصف بعد أداء طابور الظهيرة حيث كانت بداية يومنا الدراسي ، لم تكن مجرد كلمات عابرة بل كانت تغرس حب الولاء والإنتماء بعد النشيد السلطاني الذي كنا نردده يومياً بكل إخلاص ، كانت الأصوات تتنافس آياها سيكون الأعلى وكأنها تريد أن تصل بتلك الرسالة لباني النهضة معلنة الوفاء والإنتماء للأب القائد الذي نشاهده في الصورة المعلقة على الحائط الأمامي للصف الدراسي وفي الصفحة الأولى من كل كتاب فقد كان جلالتة مرافقاً لنا في المسيرة التعليمية حاثاً على الجهد والمثابرة من أجل الوطن الذي وضع لبنات بناءه ووفر أدوات البناء ليكمل أبناءه تشيده من أجل الشعور بأن هذا الوطن ترعرع بعرق جبينهم وبالتالي لابد من المحافظة عليه وصونة من الضياع .
غرس روح الولاء والإنتماء من أجل البناء كانت عملية ناجحة بكل المقاييس وليس أدل على ذلك أكثر من ردة الأطفال التلقائية ، ففي أيام الطفولة كنا نتنافس على المشاركة في الاحتفال بالأعياد الوطنية واختيار أفضل الملابس لإرتدائها في ذلك اليوم ، كانت المدرسة تتأهب قبل أسابيع نرقص ونغني حاملين صور جلالة السلطان نختلف على الأماكن فالجميع يود أن يكون في بداية صف العارضين حتى يشاهدنا أهالينا ونحن نشارك بالعرس الوطني ، نُزيّن المدرسة نرفع الأعلام تملىء صور جلالتة الجدران ، بتلك الإماكانيات البسيطة التي كانت متوفرها تلك الفترة كنا قادرين أن نصنع الفرح ونبتهج ونشارك عمان أعيادها الوطنية ، بسجادة تفرش في ساحة الطابور المدرسي تقام العروض وبكراسي الصفوف الخشبية تنظم أماكن الحضور وبصوت المسجل الصغير تشغل الأغاني التي لا يكاد يسمعها إلا المشاركين في تقديم العروض ولكن الكل كان فرح ، كانت معظم الأغاني والأناشيد مأخوذة من حفلات الأعياد الوطنية السابقة فكنا نقلد نفس الرقصات إلا في عام 1990م حيث العيد الوطني العشرين وهو العام الذي بثت فيه أنشودة يا طيرة طيري للشاعرة الأديبة سعيدة خاطر حيث كانت هذه الأنشودة طفرة على مستوى الأناشيد التي كانت تنشد في الأعياد الوطنية فشدت الأطفال وتعلمناها بسرعة وأديناها في عيد نفس العام الذي عرضت فيه وكررناها في إحتفالات أكثر من عام تالية .
كان حفل العيد الوطني مناسبة لتجتمع كل العائلة في مكان واحد لمشاهدة الحفل الذي يبث في التلفزيون من مسقط ننتظر بلهفة أن تلتقط الكاميرا أحدى الأقارب المشاركين ،وكنا حريصين على مشاهد إعادة العروض الطلابية نقضي ساعات نشاهدها لحفظ الحركات للعروض التي سنقدمها في المدرسة وأحياناً تضاف بعض الحركات التي تصممها معلمة التربية الرياضية المصرية الجنسية والتي تشارك في الحفل وكأنها تحتفل بعيد بلدها كانت دقيقة وحريصة على أداء كل الحركات بإتقان . في الحفل كانت الأجواء مليئة بالفرح في أي عيد وطني يمر علينا وما زالت ولكن اختلفتالطريقة فكل جيل له طريقته الخاصة بالاحتفال .
اليوم يحتفلون في وسائل التواصل الإجتماعي يتسابق الجميع لكتابة الخواطر وتصوير السلفي بملابس وتقليعات خاصة بالأعياد الوطنية كتزيين السيارات وتصميم ملابس تحمل ألوان علم السلطنة وصور صاحب الجلالة أوشحة وغيرها من صرعات الموضة التي تعد خصيصاً بهذه المناسبة يتسابق الناس في التغريد في تويتر ليصل صوتهم للقائد الأب وتنشيء أوسمة (هاشتاجات) للمناسبة حسب تفكير وطريقة الجيل الحالي في التعبير عن فرحته.
في السنتين الآخيرتين أضيفت لتقويم أعيادنا الوطنية مناسبتين الأولى عند رجوع جلالة السلطان المعظم من العلاج فتحولت البلد من حالة الإنتظار إلى حالة من الفرح وعمت البهجة والأهازيج البلاد والتي دامت لأشهر ، أما المناسبة الثانية عند عودة جلالتة من الرحلة الثانية حيث لم يثني شوق الشعب لتتبع سير الطائرة الميمون في الجو عبر برامج خاصة منذ إقلاع الطائرة إلى أن حلت بسلام في مدرج المطار وتسابقت عدسات الكاميرات لإلتقاط عملية الهبوط من أسطح منازلهم وهناك من وقف على الجسور وآخرين بالقرب من جدران المطار وأصطفت مجموعة أخرى منتظرة خروجة لِتفرح عينها وتبهج قلبها ، كل ذلك كان ينقل لحظة بلحظة وسنتذكره كل عام وسترتفع أيدينا بالدعاء ليطيل الله في عمرنا مولانا ويديمه تاجاً على رؤوسنا. 
الكلمات وأن زاد عددها تظل قاصرة عن التعبير عن ما يجلول من حب وولاء وعرفان في كل بيت عماني فمن أسس بلده على العدالة وإبادة الظلم وكرس وقته من أجل بناءها ورعاية مواطنيها فما يشاهدها اليوم من ردة فعل الشعب الممتلئة بالحب والرضاء والدعاء له في كل صغيرة وكبيرة فهو أمر متوقع ، دمت سيدي تاجاً على رؤوسنا شافقاً على الصغير وعافي عن الكبير ومنصفاً كما عهدناك دائماً وابداً.
خولة بنت سلطان الحوسني 

صورة المقال المنشور في مجلة الحرس بمناسبة 23 يوليو 


الأربعاء، 20 يوليو 2016

الاحتيال بإسم الدين



كتب عبدالرحمن الراشد في إحدى مقالاته بجريدة الشرق الأوسط عن “محتالو المنابر” والذي تحدث فيه عن شخص محتال في إحدى الدول ادعى التسامح بين المذاهب فكان يتقمص في كل مرة مذهبا معينا وكان هدفه ليس كما رأه الناس بل كان يهدف من ذلك استعطافهم وكسب رضاهم من أجل جمع المال وفي كل مسجد يذهبه يصعد المنبر ويخطب خطبته العصماء فيطيح بالمستمعين ويجمع ما يجمعه من المال بقصد مساعدة الفقراء والتصدق على المحتاجين إلى أن كشف الستار عنه وظهرت حقيقته.
هذا الشخص على الرغم مما يملكه من مواهب عدة جعلته قادراً على جذب الجمهور واستعطافهم وكسب رضاهم إلى درجة أن يتبرعوا بأموالهم له أو من ادعى أن الأموال تذهب إليهم إلا أنه لم يكن فطناً كفاية لتستمر مسرحيته طويلاً ، لأن في مجتمعاتنا العربية والخليجية الكثير من هذه النماذج وما زالت تمارس حيلتها ولكن بشكل منظم وبطرق مدروسة مما جعلها تستمر ولكن لها نهاية في يوم من الأيام لكن استمراريتها حتى الآن يعني نجاحها . والاحتيال الذي استخدم باسم الدين انقسم إلى شقين شق هدفه جمع المال وشق آخر هدفه الشهرة وجذب انتباه المجتمع . الفئة الأولى والتي تهدف لجمع المال ليس بالشيء الجديد إلا أن تتطور الطرق في كل فترة زمنية هو الجديد أما كسب الشهرة من خلال الدين أعتقد هذا ما يمكن اعتباره دخيلا على المجتمع أو قد يكون موجودا في وقت سابق ولكن بدأ يظهر بشكل أكبر مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت الكثير في ظهور هذه الفئة أو المجموعة .
كثيراً ما تصل رسائل بالواتس آب أو رسائل بالبريد الإلكتروني ضمنت بعبارات دينية وآيات قرآنية من أشخاص نعرفهم ونثق بهم مما لا يجعل مجالا للشك في أن يكون هناك خطب ما أو أن هذه الدعوة للتبرع غير صادقة أو شخصية وقد يكون ذلك الشخص قد غرر به من قبل أشخاص آخرين فأراد أن يكسب الأجر بهذه الطريقة فتكون طريقة ناجحة تحقق الهدف وتذهب الأموال إلى غير أماكنها ، وهناك من يبذل جهدا أكبر بطباعة أظرف مع صورة مسجد وآيات قرآنية بدعوى التبرع لبناء مسجد أو ترميمه أو بناء مدرسة قرآن أو حفر بئر ماء وغيرها من المشاريع وعند السؤال عن المكان يذكر أنه في دولة أو مدينة لا يمكن الوصول إليها بسهولة للتأكد من إقامة المشروع من عدمه فيكون شخص ما هو حلقة الوصل فقط !!، ما أردت قوله ليس كل من يتحدث باسم الدين فهو صادق وفي الوقت نفسه هناك من يقصد الخير فعلاً ولنميز بين هذا وذاك لابد أن تكون هناك قنوات رسمية تقنن وتسد الطرق التي يستخدمها ضعاف النفوس لتذهب الأموال لأماكنها الصحيحة.
الاحتيال الآخر وهو يستخدم الدين لأجل كسب الشهرة وجمع أكبر قدر من الجمهور، حيث ظهرت بعض الأسماء تقوم بإصدار الفتاوى التي تحولت بعضها إلى كتب أو الحديث باسم الدين بمدارس جديدة في الفقه الإسلامي اتفق بعضها مع أصول الإسلام وابتعد بعضها المهم هو الاختلاف مع الآخر ليجد الباحثون عن الجديد ضالتهم في فتاوى تلك الشخصيات التي برزت باسم الدين واستغلت وسائل التواصل الاجتماعي لتبث سمومها على المراهقين أو المفتقرين للمعلومات الدينية ، فكثرت الجيوش التي تتبعهم وتحميهم فأي تصرف مخالف لهم ستقف تلك الجيوش لنصرتهم وحمايتهم ، لذلك هم يتحدثون ويصرحون بآرائهم بكل أريحية وهم على علم أنها قد تضر أكثر مما تنفع ولكن الوصول للهدف هو الأهم وإن كانت على حساب الآخرين والدين أسهل طريقة لكسب الآخر.
تنشط هذه المجموعات كلما اقترب شهر رمضان الفضيل لكثرة المتصدقين وكثرة والباحثين عن أبواب الخير لذلك يستغلونه لتبدأ ذروة رحلتهم فيه حتى ينتهي موسم الحج ، فهل سنرى وسائل الإعلام تلتفت لذلك وتبث إعلانات توعوية حتى ينتبه الناس؟! فلعل في ذلك كشفا للمستور الذي ظل مختبئاً لسنوات. 

رابط المقال في جريدة الوطن :


الثلاثاء، 12 يوليو 2016

إن الله لا يغير ما بقوم ..


عند اقتراب شهر رمضان المبارك تبدأ العبارات والنصائح التي تتكرر كل عام بالظهور على الساحة وهذه خطوة إيجابية إذا كانت تطبق فعلياً ومن هذه العبارات أو الكلمات (التغيير) حيث إن شهر رمضان هو فرصة للتغيير من جميع النواحي فمن أراد أن يغير من ذاته فشهر رمضان فرصة سانحة لذلك ، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا يتم ربط التغيير أو تكثيف الدعوة للتغيير في رمضان وهل الرغبة في التغيير مرتبطة بزمن محدد ؟
تتوفر في شهر رمضان الكثير من العوامل والمحفزات التي تجعل نسبة كبيرة من البشر المسلمين يربطون التغيير بالشهر الفضيل فهناك محفزات روحانية تعتمد على صلة العبد بربه ومنها الصبر على الجوع والعطش أثناء الصيام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ” كما أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن في ليلة القدر ، إضافة إلى المحفزات الخارجية أهمها الإحساس بروح الجماعة مع باقي المسلمين ، ضبط النفس قدر الإمكان من خلال الصيام وكثير من المحفزات التي تجعل رمضان فرصة سانحة لمن أراد التغيير ولكن إذا توفرت الشروط وأهمها صلة العبد بربه والصيام التام أي أن لا يكون صيامه امتناعاً عن الأكل والشرب فقط ، وهذه معلومات حاضرة لدى الجميع وهي أسباب تدعو الناس للتمسك بها وجعلها شماعة تعلق عليها الدعوة للتغيير في كل عام.
هناك بعض الأشخاص الذين يبدأون في التغيير فعلياً ما أن يهل شهر الصيام ويستمرون على ذلك طيلة الشهر الفضيل ولكن ما أن ينتهي الشهر حتى تعود (ريما لعادتها القديمة) في هذه الحالة ما فائدة التغيير إذا لم تعقبه استمرارية مدى الحياة فهذا النوع من البشر يخدعون أنفسهم بأن التغيير حدث ويعتادون على ذلك وبالتالي يشعرون بالرضى من هذه الخطوة وكأن رمضان هو الشهر الذي يجب أن نلتزم فيه بإيماننا وتأدية الشعائر الدينية وأما غيره من الأشهر فأن القلم مرفوع وبالتالي يحلو للمرء فعل أي شيء يراه مناسباً وغير متوافق مع تعاليم الدين ، فهم يستطيعون إيقاف شرب المسكرات والامتناع عن التدخين وغيره من السلوك التي تضر بصحتهم أولاً وتوقعهم في الحرام ولكن في الوقت نفسه يوهمون أنفسهم بأنهم غير قادرين على التوقف عن ذلك في باقي أشهر السنة وما هذا التوقف الذي يحدث في رمضان إلا برهان بأن التغيير هو قناعة تبدأ من الداخل ما إذا رغبنا بتنفيذها استطعنا وما إذا ما رغبنا بذلك تعللنا بعدم المقدرة لسبب أو لآخر.
وهناك صنف آخر يعلن التغيير ولكن في قرارة نفسه غير مقتنع بما أعلن عنه فيكون إنسان متردداً لا يقوى على اتخاذ قرار في حياته وبالتالي قد يؤثر على الآخرين من حوله ويؤجل التغيير إلى إشعار آخر وقد يكون رمضان هو الهدف الذي يخطط له كل سنة من باب أنه شهر التغيير أو الشعار الذي يتمسك به من يؤجل التغيير.
أن التغيير في السلوك من الأمور التي يمكن تغييرها ما إذا كان هذا السلوك مكتسب وسطحي أي من خلال التأثر بآخرين ولكنه يكون صعباً إذا كان من الداخل أي تكون شخصية الإنسان أصلاً غير سوية وما ينتج عنه من تصرفات نتيجة لخلل في شخصيته كأن يكون شخصا متمردا ، متعاليا ، متقلب المزاج ، عصبيا وغيرها من الأمور التي تنعكس على تصرفاته ، في هذه الحالة التغيير الذاتي قد يكون صعباً ولا بد من تدخل أشخاص آخرين من أجل مساعدته على التغيير إذا كان ينوي ذلك ، فرمضان قد يكون فرصة ولكن قد يحتاج لأشهر ليعدل من نفسه ويكون إنسانا إيجابيا .
عموماً التغيير غير مرتبط بيوم أو حدث معين ، نعم بعض الأحداث قد تؤثر وهذا لا يعني انتظار الفرصة لتأتي، لأن الفرصة نحن من نبحث عنها ونصنعها إذا كان قرار التغيير عن قناعة ورغبة حقيقية.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الرعد (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

رابط المقال في جريدة الوطن:

http://alwatan.com/details/125529