هبوا جمعاً وفرادى
قابوس للمجد تبادى
فبنوا معه الأمجاد
يا أبناء عمان الأجواد ...
هذه الكلمات كانت دائماً تصدح عند نهاية طابور المدرسة معلنةً الوقت بالدخول للصف بعد أداء طابور الظهيرة حيث كانت بداية يومنا الدراسي ، لم تكن مجرد كلمات عابرة بل كانت تغرس حب الولاء والإنتماء بعد النشيد السلطاني الذي كنا نردده يومياً بكل إخلاص ، كانت الأصوات تتنافس آياها سيكون الأعلى وكأنها تريد أن تصل بتلك الرسالة لباني النهضة معلنة الوفاء والإنتماء للأب القائد الذي نشاهده في الصورة المعلقة على الحائط الأمامي للصف الدراسي وفي الصفحة الأولى من كل كتاب فقد كان جلالتة مرافقاً لنا في المسيرة التعليمية حاثاً على الجهد والمثابرة من أجل الوطن الذي وضع لبنات بناءه ووفر أدوات البناء ليكمل أبناءه تشيده من أجل الشعور بأن هذا الوطن ترعرع بعرق جبينهم وبالتالي لابد من المحافظة عليه وصونة من الضياع .
غرس روح الولاء والإنتماء من أجل البناء كانت عملية ناجحة بكل المقاييس وليس أدل على ذلك أكثر من ردة الأطفال التلقائية ، ففي أيام الطفولة كنا نتنافس على المشاركة في الاحتفال بالأعياد الوطنية واختيار أفضل الملابس لإرتدائها في ذلك اليوم ، كانت المدرسة تتأهب قبل أسابيع نرقص ونغني حاملين صور جلالة السلطان نختلف على الأماكن فالجميع يود أن يكون في بداية صف العارضين حتى يشاهدنا أهالينا ونحن نشارك بالعرس الوطني ، نُزيّن المدرسة نرفع الأعلام تملىء صور جلالتة الجدران ، بتلك الإماكانيات البسيطة التي كانت متوفرها تلك الفترة كنا قادرين أن نصنع الفرح ونبتهج ونشارك عمان أعيادها الوطنية ، بسجادة تفرش في ساحة الطابور المدرسي تقام العروض وبكراسي الصفوف الخشبية تنظم أماكن الحضور وبصوت المسجل الصغير تشغل الأغاني التي لا يكاد يسمعها إلا المشاركين في تقديم العروض ولكن الكل كان فرح ، كانت معظم الأغاني والأناشيد مأخوذة من حفلات الأعياد الوطنية السابقة فكنا نقلد نفس الرقصات إلا في عام 1990م حيث العيد الوطني العشرين وهو العام الذي بثت فيه أنشودة يا طيرة طيري للشاعرة الأديبة سعيدة خاطر حيث كانت هذه الأنشودة طفرة على مستوى الأناشيد التي كانت تنشد في الأعياد الوطنية فشدت الأطفال وتعلمناها بسرعة وأديناها في عيد نفس العام الذي عرضت فيه وكررناها في إحتفالات أكثر من عام تالية .
كان حفل العيد الوطني مناسبة لتجتمع كل العائلة في مكان واحد لمشاهدة الحفل الذي يبث في التلفزيون من مسقط ننتظر بلهفة أن تلتقط الكاميرا أحدى الأقارب المشاركين ،وكنا حريصين على مشاهد إعادة العروض الطلابية نقضي ساعات نشاهدها لحفظ الحركات للعروض التي سنقدمها في المدرسة وأحياناً تضاف بعض الحركات التي تصممها معلمة التربية الرياضية المصرية الجنسية والتي تشارك في الحفل وكأنها تحتفل بعيد بلدها كانت دقيقة وحريصة على أداء كل الحركات بإتقان . في الحفل كانت الأجواء مليئة بالفرح في أي عيد وطني يمر علينا وما زالت ولكن اختلفتالطريقة فكل جيل له طريقته الخاصة بالاحتفال .
اليوم يحتفلون في وسائل التواصل الإجتماعي يتسابق الجميع لكتابة الخواطر وتصوير السلفي بملابس وتقليعات خاصة بالأعياد الوطنية كتزيين السيارات وتصميم ملابس تحمل ألوان علم السلطنة وصور صاحب الجلالة أوشحة وغيرها من صرعات الموضة التي تعد خصيصاً بهذه المناسبة يتسابق الناس في التغريد في تويتر ليصل صوتهم للقائد الأب وتنشيء أوسمة (هاشتاجات) للمناسبة حسب تفكير وطريقة الجيل الحالي في التعبير عن فرحته.
في السنتين الآخيرتين أضيفت لتقويم أعيادنا الوطنية مناسبتين الأولى عند رجوع جلالة السلطان المعظم من العلاج فتحولت البلد من حالة الإنتظار إلى حالة من الفرح وعمت البهجة والأهازيج البلاد والتي دامت لأشهر ، أما المناسبة الثانية عند عودة جلالتة من الرحلة الثانية حيث لم يثني شوق الشعب لتتبع سير الطائرة الميمون في الجو عبر برامج خاصة منذ إقلاع الطائرة إلى أن حلت بسلام في مدرج المطار وتسابقت عدسات الكاميرات لإلتقاط عملية الهبوط من أسطح منازلهم وهناك من وقف على الجسور وآخرين بالقرب من جدران المطار وأصطفت مجموعة أخرى منتظرة خروجة لِتفرح عينها وتبهج قلبها ، كل ذلك كان ينقل لحظة بلحظة وسنتذكره كل عام وسترتفع أيدينا بالدعاء ليطيل الله في عمرنا مولانا ويديمه تاجاً على رؤوسنا.
الكلمات وأن زاد عددها تظل قاصرة عن التعبير عن ما يجلول من حب وولاء وعرفان في كل بيت عماني فمن أسس بلده على العدالة وإبادة الظلم وكرس وقته من أجل بناءها ورعاية مواطنيها فما يشاهدها اليوم من ردة فعل الشعب الممتلئة بالحب والرضاء والدعاء له في كل صغيرة وكبيرة فهو أمر متوقع ، دمت سيدي تاجاً على رؤوسنا شافقاً على الصغير وعافي عن الكبير ومنصفاً كما عهدناك دائماً وابداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق