عندما كنا صغار السن كان الكبير هو القدوة فلم نكن نرى الأخطاء والزلات ففارق
السن كان المعيار الوحيد الذي توزن الأمور من خلاله ، كانت تصرفات من يكبرنا سنناً لها أسبابها وأخطائهم
لها أعذارها وهي غير مرئية للصغار وفي النهاية الكل محترم ومقدر ، فكان الكثير ممن
يتبع تلك الشخصيات التي أعتبرها قدوة أصبحت تحذوها في كثير من الأشياء فالأحلام
كانت صغيرة والطموحات كبيرة والعثور على طريق يسهل المهمة للوصول مستقبلاً إلى
تحقيق ذلك الطموح ليس سالكاً في كثير من الأحيان.
عندما كبرنا بدأت تتضح الرؤية بشكل جيد فليس كل من كان يكبرنا سناً على
صواب وليست كل تصرفاتهم مثالية بل أن بعضهم سبباً في تشكيل مسار خاطيء والتوجيه
للطرق التي لا تتناسب وطبيعة المجتمع أو التي من المفترض تجنبها ، فكانوا قدوة سيئة
في العمل والأخلاق وفي التعامل مع الأبناء ، كثيراً من هؤلاء كان يهمهم التأثير
في الآخر لأن في إعتقادهم أن ذلك التأثير هو الذي سيرفع من درجاتهم في المجتمع
بغض النظر عن الضحية التي ستتأثر مدى الحياة لأنها في مرحلة تشكيل الشخصية ، هدفهم
هو الظهور على حساب الآخرين.
أصبحوا اليوم قدوة لمن لا يعرفهم يأثرون في المجتمع فستغلوا وسائل التواصل
الإجتماعي التي يمكن من خلفها تسجيل نجاح وكسب شهرة فبإرتفاع عدد المتابعين يكون قد حقق الهدف وبالتالي يضمن أن ما يكتبه سيتأثر به كثيرين بإستخدام لغة عربية فصحى
منمقة وتحفيز الآخرين والمشاركة في كل صغيرة وكبيرة إلا أن الواقع شيء مختلف
تماماً ولو كشفت الأقنعة التي ساهمت وسائل التواصل في إرتدائها لأتضحت الكثير من
الوجوه على حقيقتها وصفت الساحة وأتبع الناس الأشخاص الحقيقيون الذين يبحثون عنهم بدل
من الركض وراء الأوهام والمعلومات الزائفة التي لا يطبق كاتبوها واحد بالمائة مما
يكتبون، توفرت لهم الفرص ورفع عنهم القلم وترك لهم الطريق فشكلوها كما أرداوا فكان
لهم ما خططوا.
كم يدهشني أن أرى تلك الوجوه اليوم التي كانت نموذج سيء في العمل أن تكون
اليوم قدوة في المجتمع لأنها أختبئت وراء قناع النصائح وتقلد الحياة المثالية وفي
المقابل هي غير ذلك ، فكيف لمن ترك آثر سلبي في حياة أجيال وجعلوا بيوتهم
تنزف وابناءهم يعانون ما يعانون من جراء سوء التربية أن يظهروا بمظهر المثالية ونصفق لهم دون أن يكون لدينا أي
مرجع عن حياتهم وإنجازاتهم وكيف وصلوا إلى ما هم عليه الآن ، أعتقد أنها وصلوا لهذه المرحلة لأن
المغفلين ما زال لهم وجود في العالم .
كثّرت مثل هذه النماذج دفعني لكتابة هذا الموضوع فليس كل الوجوه واحده فهناك
الصالح وهناك الطالح من واجبنا ان نفرق بين هذه الوجوه حتى لا نعيش في بحر من
الأوهام هذا البحر الذي أستطاعت وسائل التواصل الإجتماعي ان تجرنا إليه. يقول باولو كويلو
"قول الحقيقة وإزعاج الناس أفضل من الكذب لإرضاء الناس" .
رابط المقال في ملحق أنوار الصادر مع جريدة الوطن بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس