الأربعاء، 24 أغسطس 2016

تجارة الجسد من يعدمها؟!




نبش منذ فترة وجيزة موضوع كان قد شغل الرأي العام منذ أعوام بسبب إنتشار محلات المساج بكثرة واستخدامها لأغراض أخرى لا أخلاقية و ما أن قننت هذه المحلات أو أختفى بعضها ظاهرياً أعتقد البعض أن المشكلة قد حلت أو أخذت طريقها للزوال ولكن في الحقيقة أن العاملين في ذلك السوق أصبحوا أكثر حذر واستبدلت المحلات بأماكن الأخرى وظلت هذه المشكلة أو الظاهرة موجودة واشتهرت بعض الأماكن في بعض المحافظات بمكانها ووصلت إلى الشارع بشكل منظم وغير ملفت للنظر إلا لمن يبحث عن ذلك أو من لاحظ بعض التحركات المشبوهة في المناطق السكنية .
هذه التجارة المعتمدة على تنازلات أجساد البشر لن تنتهي ولكن يمكن أن تقل وهذا ليس من باب التقليل صرامة الإجراءات المتخذة ولكن هي موجودة منذ آلاف السنين ولا يمكن إيقاف غرائز البشر التي تبحث عن هذا النوع من الخدمات بطريقة أو بأخرى لذلك ستظل موجودة وأن أعدمت علناً .
المؤسسات الحكومية التي يناشدها المجتمع الغيور على أبناءه بإيقاف هذه الجرم المجتمعي لن تتمكن من خلال الإجراءات القانونية وحدها بإيقاف هذه الظاهرة لأن تطبيق العقاب على مقدم هذه الخدمة سيكون فردياً بينما هناك سوق موجود به زبائن ومقدم خدمة ولذلك فهو مستمر منذ مئات السنين وليس بالشيء الجديد فالقوانين الوضعية لا تربي البشر إذا لم تكن القوانيين الإلهية رادع لهم . ظهوره هذه الظاهرة يرجع لعدة أسباب أساسية الوقوف عليها سهل لكن إعدامها ليس سهلاً لتعلقها بعوامل أخرى لم يتمكن المعنيين من التوصل لعلاج ناجع لها فهي كالسرطان الذي لم يتمكن الطب من علاجه بشكل نهائي على الرغم من المراحل المتقدمة التي وصل إليها الطب فظاهرياً يبدو للطبيب أن المرض زال بينما هو مختبيء في مكان آخر وهذا هو حال هذا النوع من التجارة التي تعتمد على الجسد الأنثوي بالدرجة الأولى قد تختفي من مكان وتظهر في أماكن أخرى.
الأسباب كثيرة ومتداخلة ومتفرعة منها أقتصادية وإجتماعية ودينية وأخلاقية وأسباب أخرى قد لا يتسع الأسباب لذكرها هنا ، أولاً الأسباب الإقتصادية حيث أن هذه المهنة تاريخياً مرتبطة إما بالغنى أو الفقر وانتشرت لدى العائلات الغنية والإرستقراطية كنوع من الترفية والبهرجة والهروب من المسئولية وضغط الحياة الرسمي وهذا الجانب مرتبط بالزبون أما الجانب الآخر وهو الفقر فكان سبباً مهماً في نشئت بيوت الدعارة التي تقدم هذه الخدمة الجسدية حيث أن ضنك العيش وعدم توفر المادة لأبسط سبل العيش تجعل البعض وبشكل أكبر النساء للإتجاه لهذا الجانب لأن تجارب السابقات كانت ناجحة مادياً وقد توصلها لمراتب الغنى بذكائها الأنثوي ، هذا السبب الإقتصادي ليس مبرراً ولكنه واقع وطريق قائم سلكه الكثيرون وعرفت به مجتمعات بعينها لذلك هناك جنسيات معروفة هي من تقدم هذه الخدمات واشتهرت بها.
ثانياً الأسباب الإجتماعية والتي تتداخل مع الأسباب الإقتصادية بطريقة أو بأخرى حيث ينشيء البعض في بيئة تكون لديها بعض التصرفات الغير مسئولة نتيجة وضع قائم من الأساس إما بقصد الإنفتاح السلبي أو عدم اللامبالاة من التصرفات والأخلاق فينشيء الشخص في بيئة يعتقد أنها على صواب وما يفعله من تصرفات مقبولة في بيئتة بينما هي كارثة خارج ذلك المحيط فمن الصعب التحكم داخل الأسرة نفسها إذا كانت النواة هشة وغير قادرة على مواجهة تحديات الحياة فتظهر النتيجة في الخارج ويتأثر المجتمع بها ويخرج نوع من البشر يبحثون عن الدخل السهل وبأقل التكاليف ولكن بأضرار نفسية غير محمودة ، ناهيك عن لحظات الضعف التي يستغلها الشيطان.
ثالثاً الجانب الديني الذي أصبح اليوم أختياراً من حيث الإلتزام والتمسك به أو جعله مصدر أخلاق ونظام حياة وعبادة وهذا ما يدعو إليه البعض بطريقة مباشرة وغير مباشرة من باب الدعوة للتفكير وإحكام العقل في التصرفات وبأن الدين قد يعيق التقدم ويجمد العقل كما يعتقدون بينما الإنفتاح الغير مسئول والأخلاق التي نهى عنها الإسلام هي التطور الذي يعتقده البعض ومنها ترك العنان للجسد لفعل ما يريد وبالتالي فأن غياب الوازع الديني وضعف النفس يجعل من الجسد آلة يمكن أن تقدم للآخر دون أطر تحكمها لذلك فهذه الأجساد تعتاد على هذا الفعل دون الشعور بالذنب لأنها تعتقد أنها في الطريق الصحيح وأن الحياة واحدة ويجب الإستمتاع بكل ما موجود بها من متعة بغض النظر عن حرمتها أم لا ، والحديث هنا يمتد أيضاً للديانات السماوية الأخرى التي تحرم هذا الفعل وتشينة .
هذه التجارة كغيرها من الأشياء والوسائل المتوفرة في الحياة ولكن يبقى القرار للبشر في تحديد إختياراتهم وغربلة الصالح من الطالح وللأسرة الدور الكبير في توجيه أبناءها فمن خرج من بيئة صالحة سيظل ثابتاً لن تهزه عواصف الحياة .

المقال المنشور في جريدة الوطن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق