الثلاثاء، 11 يوليو 2017

لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

في زحمة العيد الجميلة وبينما الكل منشغل بتأدية الواجبات الاجتماعية وإعداد وجبات الطعام المشتركة كان هناك مجموعة من البشر لا يتجاوز عمر أكبرهم ثلاثة عشر عاماً وأصغرهم ثلاث سنوات يحملون آخر طرازات الهواتف المحمولة، تجمعوا في زاوية من المجلس منهم من يلتقط الصور لوضعها في وسائل التواصل الاجتماعي وآخر يلعب لعبته المفضلة وآخر يحاور صديقه بالوتس آب، بينما الأهل ينعمون بالراحة فهم وفروا لأبنائهم ما يسليهم ويلهيهم عوضا عن تفادي الإزعاج المتكرر الذي قد يصدر من أحدهم .
لا أعتقد أن هناك من لا يعلم بأن هذه الأجهزة التي سلمت لتلك الأيادي البريئة قد تكون بداية لطريق الهلاك والدخول في متاهات ليس من السهل الخروج منها، ولكن هناك من يبرر بأن الأجهزة الإلكترونية أصبحت من ضروريات الحياة وحجبها عن الأطفال ليس لصالحهم، الكل ينطلق من أسباب يجدها صحيحة من وجهة نظره أو يحاول تبريرها وإلا ماذا يفعل جهاز في يد طفل لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات؟! إلا إهمال صريح (اشتري راحتي على حساب خراب أبنائي) ومن ثم يتعجبون من الجرائم الإلكترونية التي بدأت تزداد في الآونة الأخيرة على النطاق المحلي والتي كان ضحيتها من فئة المراهقين والأطفال حتى وصل بعضها إلى جرائم قتل واحتيال مالي بمبالغ كبيرة وغيرها من الجرائم التي كنا نشاهدها في الأخبار العالمية لكنها اليوم تحدث في مجتمعنا .
العالم الإلكتروني كالبحر ليس له أمان وفيه من يهوى الصيد وهناك الفريسة السهل اصطيادها، الفريسة عادة ما يهيئها الأهل للصيد وذلك بتوفير الأجهزة الإلكترونية لهم دون رقابة فيبحر الأبناء في هذا البحر الواسع وقد يضلون الطريق ويقع الفأس في الرأس لأن هناك من ترك أدوات صيده جاهزة لصيد مثل هذه الفرائس، كيف لا؟! وإذا كان أطفال ما زالوا يلقمون الطعام وأيديهم لا تفارق هذه الأجهزة…
أما الصياد فهو يستغل الثغرات التي توصله لفريسته كما أنه يلجأ لاستفزازها بعد أن يحصل على المعلومات التي يريدها وعادةً لا يخلو من الدهاء الإلكتروني فيصل لمبتغاه من دون أن تكشف هويته .
لمن يعتقد بأن التقنية ضرورة فهو ينطلق من منطلق بأن الغالبية العظمى لديهم أجهزة إلكترونية وبالتالي حرمان الطفل مما هو متوفر مع أصدقائه أو زملائه قد يولد لديه شعورا بالنقص وبأنه اختلاف غير مبرر وبالتالي يمكن تفادي ذلك بتوفيرها له، إضافة إلى أنها وسيلة تعليمية ومكتبة متنقلة وحرمانه منها يعني حرمانه من مصدر مهم من مصادر المعلومات، نعم هي كذلك ولكن لا يعني توفيرها من دون رقابة وفي كل الأوقات ودون مراعاة للسن واحتياجاته ، حتى وصل الأمر للبعض لتوفير شاشات للألعاب الإلكترونية في غرف نومهم فتجدهم يقضون ساعات طويلة في اللعب مع أشخاص مجهولين لا يعرفون هويتهم ولا هدفهم، كل ذلك من أجل أن ينعم الآباء والأمهات بجو مفعم بالهدوء وهم يشاهدون قنواتهم المفضلة في أجهزة التلفاز التي لا يزاحمهم عليها أبناؤهم والأهم من ذلك فهي وسيلة سريعة لتهدئة الطفل ما إذا بدأ بالبكاء !! يقول الله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93). سورة الحجر.
أما الجانب الآخر والمتصيد للثغرات ومهما كانت نواياه الخبيثة فلن يكون قادراً على ارتكاب جريمته إذا كانت الأسوار الأسرية متينة وقادرة على صد أي هجمة قد تمس فلذات كبدها ، فالشر موجود ولا يمكن إنهاؤه لكن يمكن التصدي له لوقف زحفه وخاصة إذا كان المتضرر أغلى ما نملك.
إن هيئة تنظيم الاتصالات وبالتعاون مع عدد من الأجهزة الأمنية والمؤسسات المعنية بدأت بتنظيم حملات توعوية لتنبيه ولي الأمر بالدرجة الأولى ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام حول الجرائم الإلكترونية وكيف يمكن تفاديها والتعامل معها، ولكن يبقى الدور الأكبر على المؤسسة الأساسية وهي الأسرة وأن تعي أن الأجهزة الإلكترونية توفر جانبا ترفيهيا يمكن الاستغناء عنه بوسائل أكثر أمانا وإذا كانت من ضرورة لإعطاء الابن هاتفا محمولا يجب أن يكون أيضاً بحدود ، فلا تحولوا التقنية إلى سلاح تدميري داخل بيوتكم.
رابط المقال في جريدة الوطن : http://alwatan.com/details/204144 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق