الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

لا تزيدوا الهوة بينهما

أتذكر ردة فعل صديقة بريطانية لي عندما أخبرتها بأن أمي لا تجيد القراءة والكتابة ولكنها كانت شديدة الحرص على أن نكمل التعليم حتى أعلى مراحله ؛لا تعلم ماذا نتعلم ولكن كانت تحرص على أن نكون أنا وأخواتي وأخي مجتهدين في مدارسنا توقظنا قبل ساعات الفجر تجلس بجانبنا حتى ننتهي من المذاكرة لا تنام حتى ننهي واجباتنا المدرسية ، توبخنا إذا لم نحصل على مراكز متقدمة وعندما أنهينا تعليمنا المدرسي كانت تقول لكل واحد منا  اختاروا اللي يناسبكم من تخصص في الجامعة ولكن بشرط أن تكونوا قادرين على إكماله بنجاح) لم تكن تعلم ما هو معنى النجاح لكنها تسعد بنتائجنا، كنت أحكي التفاصيل و ريتشل (البريطانية) منبهرة مما تسمعه من تجربتي الخاصة والبسيطة كتجارب الكثير من النساء العمانيات ، بعدها قالت: لن نسبققكم بالكثير ويبدو أنكم ستتجاوزوننا , بل أنتم قدوة يجب أن يستمع إليها العالم حيث لم أتوقع أن المرأة تحظى بكل هذا الاهتمام . كان هذا الحديث قبل يوم المرأة العمانية بعدة أيام ، هذا اليوم الذي يحتفل به المجتمع منذ ما يقارب الخمس سنوات وفي كل سنة تطرح نفس الآراء حول المرأة ومن هي المرأة التي يجب أن يحتفل بها وغيرها من المواضيع التي تتكرر كل عام وتتكرر معه نفس الوجوه (قص ولصق) في المقابل تزيد أعداد الاحتفالات بعضها شكلية فقط تقام لغاية في نفس من نظم الاحتفال وبعضها مفيد كالندوات أو المحاضرات لكن فائدتها وقتية تكون توصياتها مادة دسمة في وسائل الإعلام حينها لكن تطير مع الهواء الساخن الذي يمدد الأشياء فتٌرى كبيرة وبعد ذلك يتركها لتكمل طيرانها وقد تسقط في البحر حيث من الصعب العثور عليها.
وحتى المقالات التي تُكتب تزامناً مع هذا اليوم تكرر نفسها تحلل وتتفاءل مرات وتتشاءم مرات أخرى وتسلط الضوء على التحديات التي تواجه المرأة تطرح حلولا حسب وجهة نظر الكاتب تضرب أمثلة لنماذج نساء ناجحات ولكن لا شيء جديد ، لأن المرأة هي كائن بشري كالرجل حاضرة في المجتمع يجب أن لا نحمل هذا الكائن أكثر مما يحتمل ولا يجب أن نربطها بالنجاح دائماً وأن نربط أي فشل يمكن أن تمر به بالمجتمع والرجل فهي كأي إنسان يمر بحالات مختلفة في حياتة سواء فترات انكسار فترات نجاح وفترات هدوء ومنهن من فضلن التركيز في تربية أطفالهن حتى يصبحوا قادرين على المساهمة في المجتمع وهذا ما يعتبره البعض انتقاصا من المرأة العصرية وأنه تحجيم لدورها ألا يعلمن أن هذا أكبر نجاح للمرأة . أتعجب من بعض ممن يعممن الشعور بالفشل والخذلان أو الانكسار الداخلي وهن حققن نجاح يحسب للمرأة ولكن لم يحققن مأربهن التي بدأت تنكشف بعد أن اختفت وراء ستار صناعة المرأة المثالية أو لم يحصلن على مناصب عليا لسبب أو لآخر ويتكلمن عن سلطة الرجل عليهن وأن المجتمع لم ينصف المرأة مثل هؤلاء النساء المتشائمات يحاولن إحباط الآخريات بل أنهن يجرن المجتمع إلى منعطف خطير يزيد من الهوة بين المرأة والرجل (العدو) وكثير من النساء يتأثرن بهن باعتبارهن قدوة ولكن …
الرجل أيضاً يمر بهذه المراحل فليس كل الرجال ناجحين وهنا لا يمكن القول بأنهم لا يحصلوا على حقوقهم لذلك هم غير قادرين على مواصلة مشوارهم في الحياة فهناك حالات فردية وأسبابها قد تكون شخصية في كثير من الأحيان، كما أن كثرة الحديث عن المرأة أو استغلال إثارة هذا الموضع بين الحين والآخر يزيد من الهوة بين الجنسين فكثرة الحفر تزيد العمق ولكن تخلف أضرارا عند السقوط اجعلوا الخلق للخالق فلا شيء أجمل من العيش بسلام وحمد الخالق على هذه النعمة .
عند زيارتي لجبل شمس سألت فتاة تبيع ميداليات من الصوف والتي قامت والدتها بتصنيعها فقلت لها أين هي والدتك قالت تذهب لتتعلم القراءة والكتابة لتساعدنا في حل واجباتنا المدرسية… تحية لتلك المرأة في جبل شمس ولكل امرأة ورجل يكافح من أجل مستقبل عُمان .

خولة بنت سلطان الحوسني

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

الشورى في العقل المعاق

لم أكن أرغب في الخوض في موضوع الانتخابات من هذه الزاوية التي سأتحدث عنها في هذا المقال لكن مع قرب فترة الانتخابات وتصاعد إعلان المترشحين عن أنفسهم وبمساندة من يدعمهم خرجت مجموعة كانت قد صرحت برأيها سابقاً وكثفت تصريحاتها عبر وسائل التواصل المختلفة وبالأخص الخاصة منها في الفترة الأخيرة لتؤكد على وجهة نظرها حول الموضوع وهي أن القبيلة لا يجب أن تكون عائقا في انتخابات مجلس الشورى بمعنى أن لا ننتخب من يمثل القبيلة التي ننتمي إليها وأن يكون الاختيار للكفوء والأنسب في تمثيل الولاية وهذا شيء لا يختلف عليه الجيل الحالي أو يمكن القول الجيل الذي أتيحت له فرصة التعليم بكافة مستوياته وما تبع ذلك من ثقافة ووعي بما يخص الصالح العام أولاً ، هذا لا يعني أن المجتمع وصل لمرحلة الوعي التام فمازال البعض يرشح من يمثل قبيلته بغض النظر عن الكفاءة ولكن من الملاحظ أن هذا التوجه في طريقه للتغيير وسيكون هذا النوع من النقاش في المستقبل مجرد ماضِ وسيكون التركيز على مواضيع أكثر أهمية لمستقبل عُمان ، نعيش فترة انتقالية بين الأجيال وهذا النوع من التوجة القبلي أراه طبيعيا في الفترة الماضية والحالية (الانتقالية) وهو في طريقه للتغيير ونماذج الفترة السابعة في مجلس الشورى هي أكبر دليل على ذلك وبأن الاختيار كان لمن هو مناسب ليكون ممثلا عن ولايتة وعن وطنه عُمان أولاً ومن المتوقع دخول أصوات مماثلة في الفترة الثامنة وجوه شابة طموحة وهي الآن في طريقها للمجلس نادت بالتغيير العقلاني أو التغيير الإيجابي الذي لا يلغي دور المؤسسة الاجتماعية بل يهيئها ويؤقلمها للتعامل مع التغيير الذي ينشده المجتمع ولا يعتبرها عائقاً للتقدم ، فمن يعتقد أن الجبال هي عائق طبيعي يجب أن ينسف فهذا لا يعلم أن الجبال خلقت من أجل حفظ توازن الأرض وبإزالتها أختل هذا التوازن هكذا هي القبيلة تحافظ على البناء المجتمعي والأسري وإذا نفيت فسينهار هذا البناء .
اتفق تماماً مع التوجه الذي يعزل جميع المعطيات التي لا داعي لتكون حاضرة في انتخابات المجلس ويبقى على لائحة المواصفات التي يجب أن تتوافر في المترشح ، ولكن هناك زاوية اختفت خلف هذا التوجه إلا وهي أن البعض في ترويجهم لهذا المبدأ كانوا يروجون أيضاَ بشكل غير مباشر بأن على الناخب أن يبرهن للمجتمع ترجمته لهذا التوجه بأن يقوم باختيار المترشح الذي لا يمثل قبيلته بغض النظر عن الكفاءة والأفضلية وهذا هو الفخ الذي يجب أن ينتبه له الجميع فقد يكون المترشح من نفس القبيلة هو الأفضل من بين المترشحين من نفس الولاية ، لذا يجب أن لا يأخذنا حماس التخلص من الانتماء القبلي في الانتخابات وأن لا ننظر لها بأنها عائق فقط ، فالقبيلة هي أساس المجتمع العماني وجميعنا نفتخر بهذا الترابط الاجتماعي الذي أبقى على نظام الأسرة العربية والإسلامية بينما غاب في مجتمعات أخرى فأصبحت مجتمعات مشتتة اجتماعياً وفي الوقت نفسه يجب أن لا تجرنا العاطفة الزائدة لاختيار ابن القبيلة ولا الانفتاح الزائد في اختيار الآخر الأقل كفاءة ، فالاتزان رأس الحكمة وكما يقول المثل العماني (عقلي في رأسي وأعرف خلاصي) . من ناحية أخرى يجب على المترشح للإنتخابات أن لا يركز في دعايته الانتخابية ورؤيتة لأبناء القبيلة فقط ومن الأفضل أن يتوجه لجميع سكان الولاية ليكون الاختيار للأنسب والأجدر بالاختيار ، هناك تجربة لأحدى الولايات ذكرها لي أحدهم بأن يقوم سكان الولاية بعمل انتخابات مبدئية إذا كان عدد المترشحين كثيرا من نفس الولاية وبالتالي يتفق الجميع من كافة القبائل على ترشيح الثلاثة الذين حصلوا على نسبة تصويت أعلى في الانتخابات المبدئية وبالتالي تذهب جميع الأصوات لهؤلاء الثلاثة بمن فيهم المترشحون للانتخابات الذين لم يتم اختيارهم باقتناع الجميع بأهدافهم وتمكنهم من تمثيل الولاية خير تمثيل.
ما أردت قوله بأن من أراد الخير لبلاده يجب أن لا يسعى لتدمير أساسها واعتباره عائقاً وأن نساهم في جعل هذا الأساس متماسكاً وأما الاختيار لمن يمثلني أو يمثلك في الشورى فقائمة الأولويات موجودة في عقل كل واحد منا وأن ينتظر إلى الشخصية التي تستحق أن تحمل صوت المواطن لقبة المجلس.




الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

دور لرعاية من منحونا الحياة

يؤلمني أن أشاهد شخصا طاعنا في السن يصارع من أجل البقاء أتعبته الدنيا فأنهكت قواه وهو يتجول في الطرقات أو يذهب لقضاء مشوار كالتبضع أو قضاء مصلحة دون مساعدة أحد أو بكرسي متحرك أو آلة مساعدة للمشي دفع ثمنها مما جناه في شبابه، يقضي مشوار الربع ساعة في أكثر ساعة، يعيش حياته وحيداً في المنزل دون أن يرعاه أحد أو قد يرافقه حيوان أليف ليقضي معه ما تبقى من حياته، علمته الحياة أن لا يطلب مساعدة إنسان مهما كان قريبا منه ولا ينتظر مساعدة إنسانية لأنه تعامل مع والديه بنفس الطريقة عندما كان شاباً فجاء الوقت ليعيش كما عاشوا.
أتحدث هنا عن مشاهد في بعض دول العالم المتقدم ،ذلك العالم المتقدم في المشاريع والعمران والتكنولوجيا والأبحاث والعلوم والمتخلف في العلاقات الإنسانية وأبرزها البر بالوالدين والإحسان لكبار السن، من أطلق عليه العالم المتقدم رأى القشرة التي تلمع ولكنه لم يرى بأن التقدم يشمل أيضاً البر بالوالدين والإحسان وخاصة لكبار السن وغيرها من الأمور التي غابت عن مجتمعاتهم وأبقيت عليها المجتمعات العربية وخاصة الخليجية ولله الحمد.
وبما أنه عالم متقدم فكثيراً ما نعتقد بأن الإنسان يرغب في الاعتماد على نفسه ولكن هذا خطأ صدقناه لنؤكد أنهم عالم متقدم فعلاً ، ولكن من يتعمق في تفاصيل هذه المجتمعات سيرى بأن هناك عادات أو قيم كانت حاضرة في مجتمعاتهم ولكن التقدم اختطفها منهم ، فكبار السن أجبروا على التأقلم مع هذا الوضع بالإعتماد على النفس وإلا فأنهم سيفارقون الحياة إذا لم يتصرفوا ويجدون مخارج للعيش ، لم يعد يعرفوا عن أبناءهم سوى أسمائهم التي منحوها لهم عند ولادتهم وإذا لم يرزقوا بأبناء فإن التكاتف الأسري والاجتماعي ليس له وجود في حياتهم لذا فالعوائل لا تحرص على أن تكون قريبة من بعضها ، حتى إذا مات أحدهم قد يعلم عنه الجيران إذا توجهوا للصلاة في الكنيسة حينها يتم الإعلان أن فلانا من الحي القريب قد توفى.
أما من كان مقتدراً وأراد أن يحسن لوالديه فأنه يتكفل بدفع تكاليف دار رعاية المسنين فيودعهم في الدار ويكون واجبه دفع المبالغ فقط وبذلك ضمن رعاية لوالديه وآخرين يسلمون أنفسهم لهذه المراكز أو الدور بعد أن تخونهم قواهم ولم يحن وقت مغادرتهم ولا يكونوا قادرين على رعاية أنفسهم ، إلا أن هناك إشكالية أصبح يواجهها البعض مع هذا النوع من المؤسسات الاجتماعية حيث إن هذه المؤسسات اتجهت اتجاهاً تجارياً فاستغلت حاجة المجتمع لهذا النوع من المشاريع فانتشرت كالمطاعم وبأسعار مرتفعة بدل من أن تكون مؤسسات تقدم خدمة للمجتمع وبأسعار رمزية ، إلا أن المجتمعات العربية بشكل عام اعتبرت هذا النوع من المشاريع نوعاً من التقدم ولكن أي تقدم بأن أترك من منحني الحياة ورعاني حتى كبرت لأشخاص آخرين يقدمون له الرعاية وبعيداً عن الجو الأسري ، إلا إذا كانت حالته الصحية تستدعي المكوث في المستشفى في هذه الحالة يفضل أن يكون في دار رعاية المسنين بحيث يترك السرير في المستشفى لمريض آخر ويتمتع هو بالرعاية الصحية مع توفير برامج اجتماعية في تلك المراكز عوضاً عن جو المستشفى الكئيب.
الاستثناءات موجودة في تلك المجتمعات ولكن هنا أتكلم عن الوضع العام والذي لا أتمنى أن يقلد في المجتمعات الإسلامية.
نحن في نعمة ولله الحمد ،تمسكنا ببر الوالدين والإحسان بكافة أنواعه لهو تقدم كبير في التطور البشري وتلك الدول تفتقد هذا الشيء بل أنهم يشعرون بأنهم فقدوا شيئا عظيماً يحاولون أن يسترجعوه ، لذلك فهم ينبهرون عندما يعلمون بتماسكنا الأسري والاجتماعي وبأن المجتمع العماني لا يؤيد مراكز رعاية المسنين لأن الأولى رعايتهم في بيوتهم ومن قِبل أبنائهم، أذكر صديقة لي من دولة أوربية تعجبت عندما أخبرتها عن تماسكنا الأسري وأنه لا توجد مراكز لرعاية المسنين فقالت: نحن نفتقد لهذا الشعور أخذتنا الحياة إلى العمل فتركنا أهم جزء منها نشعر بأن هناك شيئا مفقودا ألا وهو نظام الأسرة العربية الذي هو أصل في بناء مجتمع ناجح.