مع هدوء القرية ورزانة مجتمعها وتحديد أولوياتهم
التي تكاد تكون موحدة قبل عدد لا بأس به من السنوات
، كان صوت خطبة الجمعة يصل إلى داخل البيوت على
الرغم من أن مكبرات الصوت التقليدية هي الوسيلة
التي كانت تستخدم في المساجد فبينما الذكور ينصتون
للخطبة داخل المسجد كانت الإناث يتسمرن إما بجانب
النوافذ للإصغاء لما يقوله الإمام أو الجلوس أمام
باب المنزل ، أما من تعذر عليه الإصغاء إلى الخطبة
مباشرة فإن البحث عن ترددات الإذاعة التي تنقل الخطبة
أو الصلاة كان جزء من جدول يوم الجمعة ، وأما الأطفال
يقضون وقتهم في سعادة غامرة لسماع ذلك الصوت الذي
يملئ أرجاء القرية فكانوا ينتظروه كل جمعة لأنه
يخلق جو مختلف عن المعتاد ... الخطبة هي وسيلة للتوعية
وتثقيف المسلمين بأمور دينهم فمع قلة المعلومات
الواردة كانت الخطبة متنفس ومصدر مهم لتلقي المعلومة
مدعمة بالرأي والأدلة (وسيلة تثقيف) في ظل غياب
الوسائل الحالية التي لا تعد ولا تحصى ، لذلك كان
تأثيرها كبير على المتلقي ، وبالأخص أنها كانت تلامس
الواقع المعاش في كافة المجالات ..
وظلت خطبة الجمعة جزءاً مهم للاحتفال بعيد نهاية
الأسبوع ، ولا زالت كذلك لكن مع تغير نمط الحياة
وتغير فكر وتوجه الجيل الحالي عن الأجيال السابقة
في التلقي وصعوبة الإقناع في ظل تعدد مصادر المعلومات
وتواصل المجتمع من خلال وسائل التواصل الإجتماعية
وتبادل الآراء بين الضد وال (مع) ، أصبح تأثيرها
أقل وقعاً عن ذي قبل ، كذلك نظام الخطب الموحد والمكتوبه
والتي يتم توزيعها على أئمة المساجد لقراءتها على
الحضور جعلها تتسم بالرتابة كونها تبتعد عن واقعنا
وهمومنا ومشاكلنا ،وعدم تقبل المتلقي لهذا الأسلوب
فمثلاً ما يهم ولاية معينة في تلك الجمعة قد يختلف
عن ولاية أخرى والأسلوب المتبع أصبح بعيداً عن ما
يعيشه المجتمع من طفرة معلوماتية وتواصلية. الخطب
التي تكون إرتجالية تجدها ذات تأثير أكبر ويحرص
الناس على تتبع ذلك الإمام أو الخطيب أينما يكون
لأن موضوعه يكون من صلب إهتمام المجتمع ويتناول
قضايا آنية والمتلقي بحاجة إلى سماعها ومعرفة الآراء
حولها وتحديداً رأي الدين . فهناك نسبة من جمهور
هذه الخطب والذين يحرصون على تأدية صلاتهم في المساجد
يتخلفون عن حضور الخطبة مجرد كلمات تلقى وقد يصيب
أحياناً الموضوع ويكون ذات إهتمام للمتلقي ، الخطبة
هو أن يخطب الشخص (الإمام) بأن يخطب في الناس من
المواضيع التي تهم حياتهم ودينهم وليس القراءة من
ورق أعد له ، لو أختصر الموضوع على القراءة فمن
الممكن لأي شخص يجيد القراءة أن يقف أمام الحضور
ويقرأ ولكن حسب تاريخ الخطب ومفهومها الأصلي هي
تتعدى أن تكون مجرد كلمات تُلقى بل هي أكبر من ذلك،
لذلك كان الخطباء يختارون الكلمات المؤثرة ذات المواضيع
التي تهم الرأي العام في تلك الفترة ، والخطيب يجب
أن يكون فصيح بليغ اللسان قادر على توصيل الهدف
من موضوع الخطبة ، والخطب الإرتجالية تصل إلى العقل
بسرعة، بغض النظر عن قناعة المتلقي من عدمه .
يجب مواكبة الثورة المعلوماتية والتطرق إلى مواضيع
تهم المجتمع في ذلك الأسبوع وأن تحدد المحاذير وإعطاء
مساحة للأئمة لأختيار المواضيع التي يرونها مناسبة
وتهم المجتمع ويستفيد منها ، فإن أستمرت خطب الجمعة
على حالها فسيقتصر الحضور للمسجد لأداء الصلاة فقط
.
غاب هدوء القرية وإختفاء الذكور وقت خطبة الجمعة
وتسمر النساء على النوافذ والأبواب أو البحث عن
تردد الإذاعه التي تبث، أخذت تلك المشاهد تتلاشى
، وظهرت مشاهد الإزدحام في المراكز والمجمعات التجارية
فلا فرق بين جمعة وسبت فهي أيام إجازة فقط ، ليس
لقلة الإهتمام بها بل لأن الأسلوب والطريقة أصبحت
لا تتماشى مع وفرة الوسائل الأخرى والأساليب الأكثر
إقناعاً ، كما أن بعض المواضيع التي تُطرح لا تمس
واقعنا الحقيقي ولا تعالج مشاكل وهموم مجتمعنا كما
كان يجب عليها .
لذلك نجد أن المجتمع أصبح يبحث عن وسائل أخرى يتحاور
يتناقش فيها وبالأخص يوم الجمعة حتى لا نخسر هيبة
هذا اليوم الذي ارتبط بالخطبة ، فهناك مشروع يتم
تداوله كمقترح عن طريق تويتر تحت مسمى (حوار الجمعة)
ووجد صدى كبير من خلال المغردين الذين يمثلون المجتمع
ومن خلال هذا الإهتمام بالمقترح والتفاعل يمكن استقراء
أن المجتمع ما زال مهتم بقضية التواصل مع المجتمع
يوم الجمعة تحديداً وتأكيد قلة تأثير خطب المساجد
التي أصبحت واقع إفتراضي بعيد عن الواقع ، أتمنى
أن تأخذ مثل هذه المبادرات التي تنشأ في مواقع التواصل
الإجتماعي بعين الإعتبار وأن يتم على أساسها إعادة
النظر فيما يطرح وكيف يطرح.
تاريخ نشر المقال : 11 يونيو 2013م
رابط المقال في جريدة الوطن
http://www.alwatan.com/graphics/2013/06JUN/11.6/dailyhtml/culture.html#5