الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

ما شيء شغل؟!

كما أنه ما زال هناك من يعتقد أن السعادة مرتبطة بالمال، هناك أيضاً من يعتقد أن العمل لا يمكن أن ينجز إلا بوجود المادة التي يعتبرها المحرك الرئيسي لأي عمل وأن مع وجود الأزمة المالية التي تمر بها دول كثيرة في العالم فإن العمل يمكن أن يتوقف أو يقل إلى درجة أن الدوام وخاصة في الحكومة أصبح مملاً لا داعي له أو يمكن أن يؤدى بدون احترافية وبدون ضمير والعذر (ما شيء فلوس) حتى وصل للبعض عدم الالتزام بساعات الدوام بحجة عدم وجود عمل وهذا بالطبع من صفات المتكاسلين الذي يبحثون عن الأعذار والذين يربطون كل شيء بالمادة، نعم بعض المشاريع قد تتوقف وبعضها تم إيقافها لأنه لا يمكن إنجازها بدون الاستعانة بالشركات لتنفيذها والتي تتطلب مبالغ، كما أن حجم العمل قد يقل لكن هذا لا يعني أن نكتف أيدينا ونرفع شعارنا (ما شيء فلوس ما شيء شغل) بل يحب أن ننظر للوضع على أنه فرصة ليثبت الجميع تكاتفه وأن الثروة البشرية والعقول هي من يجب أن تظهر الآن بأفكارها التي يمكن أن تنفذ بدون المادة وأن الأدوات والوسائل التي كانت توفر بشيء من البذخ في السنوات الماضية قادرة على أن تُسير العمل لعدة سنوات قادمة فقط بحاجة إلى من يؤمن أن العمل هو من صنع البشر الذي بدوره يحرك عجلة الإنتاج التي ستوجد دخل آخر وبالتالي من رحم المشكلة ولدت حلول ناجعة كانت الاتكالية سببا في تغيبها بل إعدامها.
في الحقيقة هناك من أوجد ثقافة وزرعها بين الموظفين القابلين لاستقبالها وأقصد هنا ثقافة المكافئات والعلاوات غير المستحقة والمقابل المادي لأي عمل كان وكأن الراتب الذي يتقاضاه مقابل أنه يحمل صفة موظف حكومي أو كما يسميه البعض (راتب ضمان) وأما ما ينجزه من أعمال فلابد أن يدفع له مقابل مهما كان نوع العمل ولو كان في صميم مهامه، لذلك فإن المؤسسات الحكومية أو بعض الدوائر في تلك المؤسسات بدأت تعاني من تكاسل بعض الموظفين والتخلف عن أداء العمل بحجة غياب ما كان يتقاضاه طيلة سنوات عمله الماضية أما الآن فهو غير ملزم بذلك لغياب المقابل الذي تعود عليه من جهة عمله، لذا وجدت هذه المؤسسات نفسها في مأزق وهو عدم قدرتها على الاستمرار في طريق تلك الثقافة التي خلقتها زمن الثراء المادي وبين إعادة كسب الموظف لأداء العمل دون مقابل إضافي، وأعتقد أن الحل السهل هو تطبيق نظام العمل كما هو وبدون إلتفاف وعدم التغاضي عن الهفوات الكبيرة التي يرتكبها الموظف والتي تؤثر على العمل والصراحة بأن ذلك الزمن لن يعود وحتى مع انتهاء الأزمة والأهم من هذا وذاك العدالة بمعنى أن تكون هناك عدالة مادية لأن تغييب هذه العدالة يعني الإحساس بالظلم الذي قد يؤدي للإحباط، إضافة إلى تغيير آلية التقييم السنوي ليكون كل ثلاثة أشهر لأن التقييم السنوي المطبق حالياً يتم تقييم الموظف على الأشهر الأخيرة التي يصبح فيها الموظف حذرا مع مسئوله حتى يحصل على تقييم ممتاز حاله كحال الآخرين الملتزمين (والحالات كثيرة).
ومن جهة أخرى هناك بعض الناجبين الذين أقبلوا على العمل بنضج أكبر وتعدت أهدافهم الجانب المادي فكان النجاح وجودة العمل والعمل بروح الفريق هو الطريق الذي رسموه لحياتهم المهنية جاء المقابل المادي أو لم يأت بل إن البعض كان يرفض ما يمنح له إذا رأى بأنه غير مستحق له، هذه الفئة من الموظفين هم من آمنوا بأن العمل لا ينتظر مقابل وبأن الأفكار الصغيرة والعقل البشري قادر على الإنتاج دون مقابل وأن النجاح يعني اكتمال المشروع وخروجه بجودة تنافس المشاريع التي تقام على نفس المستوى وتوصل الرسالة المنشودة من خلاله وأن يكون له تبعات إيجابية في المستقبل، هذه الفئة تؤمن بأن عود الكبريت قادر على أن يضيء مدينة و يمحو ظلمة الليل حتى قدوم أشعة الشمس، لذلك تجدها تستغل الأزمة المادية لتثبت أن المادة ليست إلا محرك يمكن أن يستخدم ما إذا أحتيج له ولكن ليس أساسيا بل هذه فرصة ذهبية لتقول العقول المنفتحة والواعية كلمتها وتثبت نفسها وبأنها قادرة على العطاء، فقط هي بحاجة إلى من يلتفت لها ويشجعها ويفسح الطريق لها للعمل حتى يصل إلى المحطة التي يكون قد ساهم فيها بقدرته وإمكانياته في بناء هذا الوطن الذي هو اليوم بحاجة إلى هكذا سواعد تعمل بدون أن تنتظر مقابل.
وأخيراً الفئة التي تبحث مقابل وتسوق الحجج حتى لا تعمل ستظل موجودة ولكن يجب أن تعمل الجهات على تقليلها بتغيير الثقافة السابقة والحزم ما إذا احتاج الوضع ذلك لأن سياسية التراخي لا يمكن تطبيقها مع كل الأشخاص، وألا يبخل المسئولين بكلمة شكر لمن آمن بالعمل دون مقابل.

رابط المقال في جريدة الوطن :


الخميس، 8 سبتمبر 2016

فن التواصل مع الآخر




التواصل غريزة في البشرية ولا يمكن أن تقوم حياة بدون تواصل لذلك تعددت أنواع التواصل بين بني البشر وأطرت هذه العملية بمبادئ وأسس حتى تكون منتظمة يسودها الاحترام المتبادل ، فالطفل في رحم أمه يتواصل معها بطريقته وهي تتفاعل معه تحاول أن تحسسه بأنها تشعر به تستجيب لندائه وما أن يولد يبدأ التواصل الفعلي من الدقيقة الأولى حتى يأتي الوقت الذي ينطق فيه كلماته الأولى مع أمه وأبيه ، يجتهد الطرفين على تربيته وتعليمه الطريقة الصحيحة والمثلى في تواصله مع الآخر بما يضمن حق احترام الآخرين له وواجبه في احترامهم ، بالتالي يتجنب الكثير من المطبات التي قد يصادفها نتيجة سوء تعامله مع الاخر وعدم مقدرته على إحتواءه.
الذوق والأدب في التواصل يجعل المستمع والمشاهد يستجيب للرسالة التي يحاول المتحدث أن يوصلها لأن أسلوبه وطريقة حديثة تجبر الآخر على احترامه أولاً، إلى جانب أنه يملك قدره على الإقناع وجذب المستمع ومثال على ذلك الخطيب فليس أي شخص يمكن أن يكون خطيب مالم تتوفر به بعض الشروط المهمة أولها احترام الناس وهذا يكون بسبب علاقته الطيبة وحسن تعامله مع المجتمع التي اكتسبها من أسرته أولاً ومن احترام الناس له الذين حفزوه على الاستمرار في هكذا نهج إضافة إلى أنه يملك أسلوب الإقناع وآداب الحديث مع المستمع وأيضاً استخدام لغة الجسد التي هي من الأمور المهمة في عملية التواصل بحيث يكون الخطيب بشوش الوجه يستخدم يده في توصيل الفكرة ومشاهدة الوجوه وكأنه يخاطب كل شخص على حده ، هذا المثال وغيره من الأمثلة دليل أن فن التواصل مع الآخر الذي أصبح يدرس في مساقات متخصصه وكتخصص في الجامعات والكليات شيء مهم في تحديد علاقة البشر مع بعضهم البعض.
في المقابلة الشخصية التي يخضع لها المتقدم في وظيفة جديدة بعد اجتيازه الاختبارات يتم التركيز على طريقة الحديث ، طريقة التواصل مع الأشخاص ، الأسلوب ، استخدام لغة الجسد وغيرها من الأمور التي من خلالها يمكن أن تقاس شخصية المتقدم للوظيفة لأنه هذا الجانب مهم في التواصل مع الموظفين وإبقاء العلاقة جيدة قدر الإمكان لأن ذلك يؤثر في سير العمل والإنتاجية والأداء الوظيفي للموظف فإذا كان تعامله مع الزبون وزملاء العمل خالي من الاحترام فهذا يعني تأثر سمعة المؤسسة وكما يقال السيئة تعم، لذلك تركز المؤسسات الكبرى بما يسمى "بضبط الجودة" ومن النقاط الأساسية التي يتم التركيز عليها طريقة تعامل الموظف مع الزبون ومدى مساحة الاحترام الموجودة في الحوار وغير ذلك من الشروط المهمة في فن التعامل التي تقاس من خلالها جودة خدمات المؤسسة، فعلى سبيل المثال قامت بعض الشركات بوضع أنظمة تسجيل المكالمات عند اتصال الزبون لمراقبة طبيعة الحوار ومدى احترام الزبون واحتواءه بالطريقة الصحيحة لتحويل سلبيته إلى إيجابية في نهاية المكالمة.
يقول المثل (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فلو طبق البشر القوانين الإلهية والتزموا القوانين الوضعية لأغلقت السجون وغاب العقاب وسقطت الأسوار الأمنية وحل السلام واختفت الأسلحة، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه لذلك نجد المنافق والخبيث والعصبي هؤلاء النماذج من البشر ينطلقون من مبدأ "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" في تحديد إطار علاقتهم مع الآخر معتقدين أنه مبدأ حماية النفس وضمان الحقوق فتبنى العلاقة مع الآخر بعيداً عن الاحترام وإنما أساسها الهجوم ، تنجح لدى البعض فيستطيع المهاجم أن يكسب المهجوم عليه فيصبح كالعصاء في يده يأشر بها في أي اتجاه بينما لا تنجح مع آخرين فيفقد المهاجم احترام الناس له ولا يملك حينها إلا استخدام الأسلوب الذي يزيد الهوة بين الطرفين ، فما أردت قوله أن مع وجود الأطر والتشريعات التي تحدد طبيعة وأسلوب التواصل بين بني البشر إلا أن هناك من يغض الطرف عن ذلك ويستسلم للجانب المظلم الذي قد يكلفه الكثير بعلاقته مع الأشخاص.
وليس من مثال أقرب لذلك من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الوسائل الأساسية في التواصل بين بني البشر في مختلف دول العالم، هذه الوسائل فرضت نفسها دون قيود أو حدود فأستغلها البعض استغلال ليس كما ينبغي فغاب الاحترام في التواصل خاصة من أحتمى خلف الأسماء المستعارة وكثر الغث وزاد السب والقذف وكأن الوجوه والأسماء هي من كانت رادعة ليتمسك البعض بالإحترام ولكن هذه الوسائل استطاعت ان تظهر معادن النفوس وبأن إحترام الآخر أصبح عمله نادرة في وسائل التواصل الاجتماعي وطبعاً الاستثناءات موجودة ولكن هذه الوسائل تستخدمها كافة الأعمار وهم يتعلمون الحوار والحديث من خلال تعاطي الناس مع بعضهم البعض فإذا وجد الطفل والمراهق ذلك النوع من اللغة هي السائدة في الحوار بين المجتمع سيظن أنه أسلوب مجتمعه ويبدأ باستخدامه في حواره هو أيضاً .
فن الحوار والتعامل مع الأخر من المواضيع التي يحتاج لها مجلدات لأنه موضوع متشعب ومهم ويحتاج إلى وقفه وخاصة مع انفتاح الفضاءات على الجيل الحالي الذي أصبح يستورد ثقافات من خارج مجتمعه متأثراً غير مؤثر.
وأخيراً أن تكسب احترام الآخرين ليس سهلاً بينما أن تخسر ذلك أسهل شيء ممكن أن تفعله وبطبيعة الحال الهدم أسهل من البناء.
يقول علي بن الجهم

"إِني لتطربُني الخِلالُ كريمة        طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويَهُزُّني ذكْرُ المروءةِ والندى        بين الشمائلِ هزةَ المشتاقِ
فإِذا رُزقتَ خَليقةً محمودةً            فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ
والناسُ هذا حظُّه مالٌ وذا            علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ
والمالُ إِن لم تَدَّخِرْه محصناً          بالعلمِ كان نهايةَ الإملاقِ"


غلاف المجلة

صورة المقال المنشور في مجللة الثقافية (1)

(2)