الاثنين، 23 نوفمبر 2020

من يملك علاج الهدم

  مضت سنوات منذ أن قاد العقل البشري المستنير العالم إلى مراحل عميقة لاكتشاف المجهول ورؤية مكنونات المستور فانتقل بعد أن عمّر الأرض وارتكز فيها إلى خارجها؛ ليتأمل ويتفكر وليتشعب بالعلم ويمهد الطريق لحياة أوسع قد تكون أكثر أماناً واستقراراً وبموارد متعددة، متخطياً بذلك المشاكل السطحية التي كانت تقف عائقاً للنمو والتقدم، ولكن يأبى بعض البشر أن يترك لعقله العنان ليسمو أو بعبارة أخرى “تخلف مقصود” لذلك نعود ونناقش قضايا من المفترض أننا تخطيناها وأصبحت من الماضي. 
قضايا لا يستفاق منها إلا بعد أن يصل الشخص إلى مرحلة الفقد المبني على أسباب يصنعها بنفسه والتي يمكن تسميتها بفقد الهدم، وأقول الهدم لأنه هدم للمستقبل سواء كان على المستوى الفردي أو الدولة والمجتمع ولهذا الفقد تأثير أكبر من أي فقد آخر لأن تراكماته تشمل مصير شعب وتظل تبعاتها لسنوات وعلاجها يحتاج إلى ابتكار عقاقير تعالج الضمير وتنشط خلاياه الميتة.
هذا المرض يدعى في علم الإدارة بالترهل الوظيفي أو البطالة المقنعة وهو ورم يجب أن يعالج قبل علاج مشكلة الباحثين عن عمل التي نعيش دوامتها في هذه الأيام وما تبعها من قرارات بين ضد ومع، فحل مشكلة الباحثين عن عمل تكون فعلياً من خلال إيجاد الوظائف ووضع السياسات وليس حشو المؤسسات بالبشر حتى لا نترك مرض الترهل الوظيفي يتغلغل بشكل أكبر فتذهب الأجور في غير محلها مع ضعف الإنتاجية كما هو الحال في الكثير من المؤسسات وبالأخص الحكومية. وقد يكون المثال الأقرب لتفشي هذا المرض عندما قُلص نسبة الموظفين إلى 30% في بداية انتشار جائحة كورونا فاستمر العمل ولم يتأثر كثيراً؛ لأن من كانوا يعملون استمروا في عملهم وعززوا من إنتاجيتهم.
حسب إحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن معدل 2.8 من إجمالي عدد سكان السلطنة البالغ 4.6 مليون نسمة للعام 2019 فقط، ينتظرون الحكومة لتقدم لهم الوظيفة، هؤلاء قد يساعدوا في حركة التنمية وقد يثقلوا هذه العجلة إذا ظهر منهم من يزيد من ظاهرة الترهل الوظيفي التي لها آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى ضعف الأداء والمنافسة.
هؤلاء بحاجة إلى التحصين قبل مخالطة المصابين وخاصة الحالات الحرجة  وهم من يمثلون النوع الثاني إذا ما افترضنا أن هناك ثلاثة أنواع من الموظفين من حيث الهدف الذي سعوا إليه في الحصول على وظيفة، النوع الأول الطموح الذي سعى للوظيفة ليعطي ويضيف ويطور ولديه طموح في السلم الوظيفي يسعى إليه بجهده ويستغل مهاراته، وهناك نوع آخر من سعى للوظيفة من أجل الحصول على المال فقط مؤمناً بأن الوظيفة حق من حقوقة متناسياً كل واجباته هادماً لوقت الإنتاجية، أما النوع الثالث فهو من يعمل من أجل الحصول على المال ولكن في إطار جهده أي يعطي في حدود مهامه الوظيفية فقط، النوع الثاني يجب استئصاله فوجوده كعدمه ومعدٍ لأنه صاحب مبدأ اعطني حقي ولا تطالبني بواجبي لدية قدرة على الإقناع وفي الحقيقة هو مجرد رقم مستنزف لموازنة الرواتب وشاغراً لطاولة وكرسي.
وبما أنه لا يمكن التنبؤ بهذا النوع إلا بعد شغره للوظيفة وحتى لا نثقل العجلة ونوقفها يجب دراسة سلوك وأهداف هذا العدد لتعزيز ثقافة العمل الصحيحة لديهم وبالأخص من نشأوا في بيئات أورثتهم مصطلحات وسلوكيات وظيفية خاطئة فكما سعى البعض للتعلم من أجل الشهادة فقط فهناك من سيسعى للراتب من دون إنتاجية ، ومن جهة أخرى لابد من ركن المجاملات جانباً وتفعيل ميزان العقاب والثواب في بيئة العمل لمن هم على رأس عملهم إلى جانب نقل القانون من الأوراق إلى الواقع فأرقام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تشيير إلى أن 76 موظفا فقط أقيلوا في 2019 بسبب الإنقطاع  عن العمل إذا كان هذا العدد يشمل النوع الثاني فهذا يعني بأن القانون لابد أن يتوغل من أجل المصلحة العامة مع تغيير آلية التقييم المتبع في الجهات الحكومية حتى يعي المقبل على الوظيفة بأنها واجب وطني تستغل فيه قدراته وجهده من أجل الوطن، فإذا طبق هذا النظام عندها سيشعر المقصر بألم الفقد عندما يفقد وظيفته سيعي حينها أن الوظيفة كانت أمانة ولم يقدر على حملها ففقدها.  

عُمان بحاجة إلى أياد منتجه تبنى مستقبلاً بأساس متين يكون قادراً على حمل من سيأتوا بعد هذا الجيل.

رابط المقال المنشور في موقع الوصال: 


الجمعة، 8 مايو 2020

كورونا والوافدين بين الإنسانية والواجب





ما أن بدأت أزمة كورونا منذ ما يقارب الثلاثة أشهر وما صاحبها من إجراءات وقائية للحد من إنتشار الفيروس وبما أن الموضوع يتعلق بحياة البشر وسلامتهم لأنه هم وقود الأمه وحتى لا تخسر الدول هذا الوقود والقوة التي تحركها فكانت التضحيات كثيرة من أجل سلامة الأرواح من ناحية، ومن أجل لا تتكبد الدول خسائر لا تحمد عقابها ما إذا تفشى المرض وبالتالي تكون نتائجها وخيمة على الشعب قد يحتاج سنوات للتعافي منها من ناحية أخرى. لذلك فأن التضحية كان لابد منها في الكثير من المجالات وأهمها إيقاف المدارس تلتها غلق المطارات والمعابر البرية والبحرية وتجميد الحركة التجارية بشكل عام وإغلاق مناطق وحظر التواصل الإجتماعي وغيرها الكثير.
وبما أن الإنسان هو المحور الأساسي في هذه الأزمة فكان لابد من إذابة بعض القيود وتجاوز بعض الجدران القانوينة التنظيمية فوجدناها تنحسر تدريجياً أمام هذه الجائحة لأن الإنسانية فوق كل إعتبار وهذا ليس بغريب عندما يكون الموضوع متعلق بمجال إنساني بحت ألا وهو المجال الطبي والذي يتعامل مع الإنسان متجاوز بذلك كل التساؤلات ومتخطيئاً العراقيل التي من شأنها أن تقف أمام الإجراءات الطبية، هنا تختفي كل القيود وتبقى الإنسانية سيدة الموقف.
فهذا ما حدث بالفعل عندما وصل الأمر للتعامل مع الوافدين وأقصد بذلك العمالة والذين يبلغ عددهم ما يقارب المليونيين حسب إحصائيات 2019 أي يشكلون 43% من نسبة السكان البالغ عددهم 4,6 مليون هذا إلى جانب العمالة الغير قانونية.
وبعد أن أعطيت جميع هذه الفئات الأمان وانصاعت للتعليمات لضرورة الخضوع للفحص فقد كشفت الإحصائيات الصادرة من وزارة الصحة بأن عدد المصابين من الوافدين حتى اليوم وصل إلى (1799) أي ما يعادل 62% من نسبة الإصابة الكلية البالغة (2903) كما أنهم مثلوا ما يقارب 54% من نسبة الوفيات الكلية التي وصلت إلى 13 حالة وفاة حتى الأمس.
ولكن لماذا ظهرت الكثير من الإصابات لدى الوافدين مع أن النتائج الأولى كانت تظهر الإصابات لعمانيين فقط أحتكوا بمرضى من داخل الأسرة الواحدة ولم يكن هناك نقل مجتمعي وفجأة أرتفع العدد ليطغى عدد الوافدين وبدأ الإنتشار في المناطق التي بها كثافة من االعمالة الوافدة كمطرح مثلاً؟!! الإجابة الحاضرة في الذهن والتي يعرفها الجميع هي أن بيئات سكن هذه الفئات قد تكون خالية تماماً من وسائل الصحة والسلامة وأولها التكدس في المبنى الواحد وقد يصل إلى عشرات الأفراد في غرفة واحدة يتشاركون مع باقي الغرف في نفس المبنى والتي تضم أيضاً العشرات في دورة مياه واحدة!! و لكم تتخيلوا باقي المشهد.
 ولكن هناك أسباب أخرى غير واضحة للجميع وسأركز على واحده منها والتي لفتت إنتباهي في هذه الأزمة ألا وهي أن عدد كبير من هذه الفئات ليس لديها تأمين صحي. فحتى الآن لا يوجد قانون يفرض على أصحاب الأعمال أن يأمن على العامل صحياً وبالتالي فأنهم لا يتجهون إلى المؤسسات الصحية وقت المرض لأن المبلغ الذي سيدفعه ولو كان بسيط يعتبر كبير بالنسبة له وخاصة من يتقاضى رواتب متدنية جدا في الشهر، وفي المقابل قد يكون صاحب العمل  غير قادر على دفع مبلغ التأمين للعامل. قد يقول قائل أهل الخير كثر ولن يتخلوا عنه وقت الحاجة... اتفق وعمان بها الخير وافر ولكن لماذا الإنتظار إذا كان بالإمكان تأمين الحصول على الرعاية الصحية سلفاً؟ 
في هذه الأزمة لو أفترضنا أن العامل موئمن صحياً لأتجه الكثيرون للفحص عندما أحسوا بالأعراض من البداية ولكن لم يقوموا بذلك إلا عندما تم الإعلان بأن الفحص مجاني للجميع عندها بدأت الأعداد ترتفع حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
في الهند تجربة رائعه يمكن أن يستفاد منها في هذا الجانب وهي بسيطة ولكن آثرها غير حياة الملايين، فقد قام جراح القلب الهندي ديفي براساد شيتي صاحب سلسلة مستشفيات نارايانا في الهند (23 مستشفى) والمتوزعة في 14 مدينة هندية بتطبيق فكرة بسيطة جداً أنقذت الملايين من مرضى القلب. وذلك بعد أن لاحظ عدم قدرة الكثيرين على تحمل تكاليف عمليات القلب والتي تعتبر باهضة بالنسبة لدخلهم المنخفض، حيث أن 2 مليون ونصف شخص هم بحاجة لإجراء عمليات القلب سنوياً في الهند إلا أن 80-90 ألف فقط من كانوا قادرين لإجراء تلك العمليات ، فقام الجراح بالتعاون مع إحدى شركات التأمين والحكومة بإقناع المزارعين في أحدى المناطق النائية بالمساهمة بخمس ربيات أي ما يعادل 25 بيسة وبذلك تمكن من إجراء 60 ألف عملية قلب للمزاعرين في تلك المنطقة فقط وذلك بفضل الخمس ربيات ومن خلال تطبيق هذه الفكرة أيضاً تمكن من توفير خدمات صحية ل40% من المرضى الغير مقتدرين إضافة إلى المبادرات الأخرى لصالح المرضى. ويعتبر المستشفى اليوم أحدى النماذج الصحية العالمية كما أنه أحد أكبر شبكات التطبيب عن بُعد حول العالم.
لو طبقت هذه الفكرة مع الوافدين (العمالة) بإنشاء صندوق تأمين صحي بحيث يضمن لهم رعاية صحية جيدة  حتى في الحالات الصعبة دون الحاجة للعودة لبلدهم كما يحدث في الكثير من الحالات وبالتالي يستفاد من نفقات العلاج لتكون رافداً للقطاع الصحي بالسلطنة ، وسيساهم بشكل كبير في تأمين العلاج الضروري خاصة في الظروف الصعبه لهم وفي حالات الكوارث والجوائح التي تمر بها الدول.
وذلك إذا افترضنا أن يساهم كل شخص من 2 مليون من العمالة الوافدة بريال بذلك سيرفد الصنوق بما يقارب 24 مليون ريال سنوياً بهذه الفكرة يمكن توفير بيئة صحية ملائمة للعمل والاستفادة منهم دون أي أضرار على أرواحهم.
وأخيراً ..."خمسة معزولين عن بعضهم ضعفاء ولكن مجتمعين أقوياء"... جراح القلب ديفي براساد شيتي



رابط المقال المنشور في حساب إذاعة الوصال في موقع تويتر:






           

وقته..للتعامل مع الأزمة (2)



بما أن النفط هو أساس المشاكل الإقتصادية التي يمر بها العالم بين الحين والأخر ونحن اليوم نمر في واحده من أكبر هذه الأزمات أعاننا الله على تداعياتها، وبما أنه متهم أيضاً بشكل خاص والوقود الأحفوري بشكل عام في ظاهرة الإحتباس الحراري، مما جعل مجموعة من العلماء الإقتصاديين لإصدار بيان بمناسبة يوم الأرض 2015 بأن يظل ثلاثة أرباع أحتياطات الوقود الأحفوري في باطن الأرض لتجنب تداعيات الإحتباس الحراري على الأرض. فأن هذا سبب آخر يجعل من الزراعة حل مثالي لتكون مصدر دخل جيد وصديق للبيئة، وآمن إقتصادياً من خلال الإبتعاد عن ما ينتجه جشع المسيطرين والمتحكمين بأسعار النفط  من أزمات تثقل كاهل الشعوب والدول التي تعتمد عليه كمصدر دخل.
وبالنظر إلى الأزمة الحالية فأن للزراعة إيجابيات جمة كما ذكرت في المقال السابق من حيث الإكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية وبالتالي إيجاد سوق قوي تنشيء منه شركات توفر مختلف الوظائف وتقلل من نسبة الباحثين عن عمل والتي تزداد بشكل سنوي، وعطفاً على تجربة الصومال في هذا الجانب وغيرها من الدول التي كانت تعاني من أزمات أولها المجاعة والفقر المذقن وأستطاعت أن تتعامل مع تلك الأزمات من خلال التركيز على الزراعة وتشجيع الشركات الكبرى للمزارعين من خلال تطبيق مبدأ (CSV) خلق القيم المشتركة بحيث يتم مساعدة أصحاب الأراضي الزراعية والمزارعين من خلال توفير الإحتياجات الأساسية لهم ليكونوا قادرين على زراعة أراضيهم وتقوم بعدها الشركات بشراء منتجاتهم وتسويقها وبعد ذلك تحفيزهم على التسويق من خلال توفير وتيسير منافذ البيع ليكونوا قادرين على الإعتماد على أنفسهم وتكوين شركات مستقله بهم تحمي مستقبلهم وتضمن لهم إستدامة طويلة الأمد وتدر بالدخل على الدولة والمجتمع ، لذلك فأن مبدأ المسئولية الإجتماعية (SR) والذي يساهم في إنشاء جيل إتكالي ليس محبذ لدى كبار الشركات كون أن آثره قد يكون مؤقت.
 واحدة من أكبر هذه الشركات والتي يمكن الإستفاد من تجربتها في هذا الجانب هي شركة يارا العالمية وهي شركة أسمدة نرويجية تأسست في العام 1905، وعلى الرغم من الأزمات والمطبات التي مرت بها وأهمها الحرب العالمية الثانية 1941م، إلا أنها تمكنت من الصمود والصعود والتوسع عالمياً لتصبح حسب تصنيف مجلة فوربس الأمريكية 2017 في المرتبة (27) عالمياً من حيث الشركات المتعددة الجنسيات من أصل أهم 250 شركة متعددة الجنسيات. هذا النجاج تشكل بعد مقدرتها للتعامل مع الأزمات التي عصفت بها من خلال التنويع والتجديد في منتجات الأسمدة وإعتمادها على التقنيات الحديثة في الإنتاج إضافة إلى التركيز على إنشاء المراكز البحثية لتعينها على تطوير منتجاتها والتقدم على المتوفر في السوق على أن يكون غير ضاراً بالبيئة وهذا ما أشتهرت به يارا العالمية أيضاً. جميع هذه الأسباب وغيرها جعلت منها شركة عالمية ناجحة في مجالها تنتشر في أكثر من 165 شركة حول العالم. أما بالنسبة لتطبيقها لمبدأ القيم المشتركة فقد ساعدها هذا المبدأ لتكون عوناً للكثير من الدول الفقيرة بالأخص في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا وذلك من خلال دعم المزارعين وشراء منتجاتهم وتسويقها عالمياً ، وبالتالي حازت على ثقة المزارعين وحسنت من إنتاجيتهم وشجعتهم على ذلك وأستطاعت خلق أعمال مستدامة. ويعتبر مشروع تطوير ممر النمو الزراعي الجنوبي في تنزانيا (ساجكوت) من أهم المشاريع التي قام على أساس مبدأ القيم المشتركة مع المزراعين من خلال إستغلال الأراضي وخلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة المستدامة وبالتالي زيادة حصتها في السوق.
لو أستفيد من هذه النماذج الناجحة في عُمان لنشيء جيل معتمداً على الزراعة مهتماً بتطوير تقنيات إنتاجها كل ما نحتاج إليه هو التركيز على الهدف ، التشجيع والتحفيز والتسويق بأهمية هذا القطاع أولاً كمنافس للنفط للإقبال عليه من قِبل الشباب الباحث عن عمل وتوفير وسائل الدعم اللازمة للنهوض به. كما يمكن الأستفادة من التكنولوجيا الحيوية الخضراء (green biotechnology)  والتي تساعد في إنتاج النباتات معدلة وراثياً وتصنيع المبيدات الحشرية الغير كيميائية والأسمدة الحيوية وغيرها الكثير من التطبيقات التي تساعد في تطوير صناعة الغذاء وبذلك سنكون قادرين على زيادة نسبة الأراضي الصالحة للزراعة البالغة 7.07% من أصل المساحة الكلية للسطنة 31.43 مليون هكتار.

رابط المقال في موقع إذاعة الوصال:
https://www.wisal.fm/cms/2020/04/43171





الجمعة، 3 أبريل 2020

وقته... للتعامل مع الأزمة (1)




كما يقال سوف يبقى الفشل مراً ما لم تبتلعه، لأن عدم التعامل مع الفشل يعني النهاية والإستسلام لذا فلا بد من التعامل معه والاستفادة منه لتجنب أي عقبات قد تصادف طريق النجاح، وهذا ينطبق على أي شخص، مؤسسة أو حتى دولة فالفشل في مرحلة ما لا يعني النهاية بل قد يكون جرس إنذار لا بد من الاستفادة منه والتدقيق في العوامل التي أدت إلى ذلك للصعود سلم إلى الأمام، وهذا وضع الكثير من الدول في الوقت الحالي التي تمر بأزمات لم تكن في الحسبان بسبب ذلك الكائن الصغير والذي يدعى كورونا، وقد استخدمت كلمة الفشل لكونها كلمة مقرونة بالنجاح فلكي ننجح لا بد من المرور بهذه المحطة والتمعن فيها وتحليلها للإنتقال إلى خطوة متقدمة من طريق النجاح.
عُمان لم تكن بمنأى عن هذه الأزمات وعلى رأسها الأزمة الإقتصادية وهي أم الأزمات كونها المحرك الرئيس للدول والعجلة التي تسير الحياة فالدول تقاس بنجاح إقتصادها، وكالعادة فان المرور بأي أزمة ينشط المحللين والمتنبئين وكلاً يحلل حسب المعطيات ويضع الحلول المقترحة وغيرها وهناك من يلقي على اللوم على الأشخاص والمؤسسات وتكثر جملة (يا ريت لو كان) وكما يقول أخواننا المصريين (دحنا فيها) وعلينا التعامل معها والاستفادة منها ولو توقفنا وبكينا على ما مضى لن نتمكن من المضي قدماً وسنغرق في الدموع وعلينا ان نتمعن في التجارب الناجحة والتي أستطاعت ان تصمد رغم الرياح الشديدة والصخور الكبيرة وأن نستفيد من تجارب من سبقونا. جميعنا يعرف بأن عدم تنويع مصادر الدخل هي أهم عقبة نمر بها فما زلنا دولة تعتمد على النفط بنسبة تقارب (65%) كما أن هذه الازمة كشفت بأنه لا يوجد إكتفاء ذاتي في المنتجات الزراعية هذا ما جعل بعض هذه المنتجات يرتفع سعرها لكثرة الطلب وقلة المعروض.
بالعودة إلى عشرات السنوات كانت عُمان تعتمد على الزراعة كمصدر دخل أساسي إلى جانب صيد السمك هذا يعني بأن لدينا جيل خبير في الزراعة وورّث من جاء بعده على ذلك ولكن وأقولها بكل آسف هناك من يستهين ويستقل بالعمل في الزراعه ومن كان مهتماً فقد أولى المسئولية للوافد على الرغم من أن السلطان الراحل قابوس رحمة الله عليه أولى إهتمام بهذا الجانب وشجع عليه وليس أدل على ذلك من إنشاء كلية الزراعة والتي تسمى اليوم كلية العلوم الزراعية والبحرية  في جامعة السلطان قابوس في العام 1986م تشجيعاً منه رحمه الله لهذا القطاع وللاستمرار في الاستثمار فيه وإستغلال البحث العلمي والطرق الحديثة لزيادة الإنتاجية، وغيرها من المشاريع التي أتت بقصد التحفيز وإستمرار لدعم هذا القطاع الحيوي  والذي يلعب دوراً أساسياً لو أستغل بشيء جيد في تحقيق النمو الإقتصادي، فالإنسان يمكن ان يستغني عن كل شي إلا الطعام.
كما أنه أرضنا خصبة وتتوفر فيها جميع المقومات الزراعية كل ما علينا هو أحياء هذا القطاع لخلق إكتفاء محلي ذاتي كخطوة أولى بعدها ننتقل للتصدير. وعلى المستوى العالمي فقد شكلت الزراعة ثلث إجمالي الناتج المحلي العالمي في العام 2014.
فعلى سبيل المثال إذا أخذنا تجربة الصومال في هذا الجانب فقد أستطاعت بجهود شعبها وبالإمكانيات البسيطة أن تتحول من دول فقيرة كانت تتصدر عناوين الأخبار في المجاعة لتصبح صادراتها الزراعية بالملايين وهذا يرجع لعدة عوامل منها تشجيع الشركات للمزارعين بما يسمى (CSV) خلق القيم المشتركة وذلك بأن تقوم الشركات بالتعاقد مع المزارعين بحيث توفر لهم الوسائل والأدوات التي تساعدهم في عملية الإنتاج وبعد ذلك شراء منتجاتهم وبالتالي ضمان إستمرارهم في العمل والإستقالية فيما بعد. وهذا ما تقوم به الشركات الكبرى لتشجيع المواطنين على المشاركة والتقليل من المسئولية المجتمعية حتى لا ينشيء جيل إتكالي. إلى جانب تسهيل طرق تسويق المنتجات وبيعها محلياً ودولياً والأهم من ذلك الإيمان بقيمة هذا القطاع الحيوي وبأنه هو من سينقذ البلد من مجاعة توغلت فيهم لسنوات.
العمل في الزراعة ليس عيباً وآن الآوان بأن نفكر فيها كمصدر قد يفوق دخل البلد من صادرات النفط، وحتى على المستوى الشخصي لو أعتمدت كل أسرة على الزراعة في توفير احتياجاتها ولو في أرض مساحتها صغيرة لاستغنينا في اعتمادنا على الصادرات...
للمقال تتمة..

رابط المقال في موقع إذاعة الوصال: 




الجمعة، 27 مارس 2020

كورونا… الاصطياد في الماء العكر

25 مارس 2020

الوصال- خولة بنت سلطان الحوسني
لو كان كورونا واحداً من البشر لكان اليوم أسعدهم لكونه استطاع أن يحقق نجاحاً باهراً يكمن في تمكنه من غزو العالم في مده قياسية عابراً للقارات والمحيطات والمدن والقرى متربعاً على قمة عناوين وسائل الإعلام متصدراً وسائل التواصل الاجتماعي مغيراً للكثير من مفاهيم العالم الحديث منشطاً للتعلم عن بعد ومجبراً البشر للاعتماد على أنفسهم في قضاء حوائجهم جامعاً للأسر في منازلهممعيداً لقائمة الوجبات لتشمل أكل أكثر صحة لتقوية مناعتهم مبتعدين عن الوجبات السريعة مركزين على الرياضة، داعياً لإعادة الكثير من الحسابات في الصرف والمأكل والشرب والملبس، ذكرهم بسنن ربانية قد غفلوا عنها وأهمها النظافة، مقللاً لنسبة التلوث ففي الصين وحدها قلت نسبة ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 35% مقارنة بنفس الفترة من السنة الفائتة.
لذلك قد يكون أسعد البشر لو كان كذلك إلا لأنه كائن لا يعرف التصالح مع البشر وجاء لينجز مهمته العدائية لتثري الثرى بالجثث التي غادرت مستسلمة له، مفرقاً الأحباب والأصحاب مباعداً الخطى غالقاً لدور العبادة وكثيرة هي أفعال كورونا وسأبتعد عن ذكرها لأنه تبعث على القلق والحزن.
في المقابل هناك نوع من البشر أستغل هذه الفرصة ليصطاد في الماء العكر ومتأكدة بأن من سيقرأ المقال سيكون مرت عليه بعض من هذه النماذج التي ما أن أعلن قرار إغلاق المدارس في الرابع عشر من مارس أصدر بعض الموظفين قرار خاص لأنفسهم للجلوس في المنزل بحجة أن الظروف أجبرتهم على ذلك بأنه لا يوجد من يعيل أبنائهم أو وخوفاً من الخروج ونقل العدوى لهم إلا أن ذلك لا ينطبق على الخروج للتسوق أو التنزه؟؟!! وعندما صدر قرار ثلاثين سبعين بحيث يذهب لمقار العمل 30% ويبقى الآخرون في منازلهم وبالأخص من ينطبق عليهم نظام العمل عن بعد وجدوه عوناً لهم وأن لا كان ينطبق عليهم. 
إلا أن المتتبع لتاريخهم الوظيفي سيجد أن الكثير من هؤلاء يعانون من عدم استقرار وظيفي من الأساس كثيري الأعذار متخبطون في عملهم لا يعرفون على أي اتجاه يسيرون كثيري المطالبة بحقوقهم ومتناسين واجباتهم.
أن مثل هؤلاء يجب لا يغفل عنهم وبالأخص في ظل الوضعالاقتصادي المنهار والذي لم يشهد التاريخ مثله منذ الحرب العالمية الأولى والذي سيكون له تبعاته المرهقة على العالم وعُمان جزء من هذه المنظومة فأنه آن الآوان للخروج من دائرة المجاملات في العمل وبالأخص القطاع الحكومي وفرض العقوبات حسب القانون على كل من يستهين بعمله ولا يؤدي واجبه على أكمل وجه، كما يجب إعادة النظر في قانون الإجازات المرضية وتحديدها حتى لا يستطيع أصحاب الضمير الميت التحايل فهناك أناس مخلصين لوطنهم وعملهم لكن الفرصة لم تأتيهم ليحظوا بوظيفة هؤلاء هم أحق بها بدلاً من يمكث في الوظيفة لانتظار الراتب دون إنتاجيه.
فالجميع لديه أسرة وأبناء يخاف عليهم ويجازف من أجلهم فمن يحب هذا الوطن سيضحي من أجله في أحلك الظروف. 
السؤال هل سيستمر هؤلاء على هذا الوضع إذا تقرر أن يستمر قرار تعطيل المدارس حتى شهر سبتمبر؟!! 

رابط المقال المنشور في الموقع الإلكتروني لإذاعة الوصالhttps://www.wisal.fm/cms/2020/03/42342




الأربعاء، 15 يناير 2020

ما أبشع مشاعر اليُتم...


في يوم الاثنين الموافق الثالث عشر من يناير 2020 في الساعة التاسعة صباحاً كتبت هذا المقال حزناً وألماً على وفاة سيدنا ومولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه الذي وافته المنية في يوم الجمعة الموافق العاشر من يناير2020 وأعلن الخبر يوم السبت الموافق الحادي عشر من يناير 2020 في تمام الساعة الرابعة صباحاً ... خبر محزن خلّف ألماً أبدي في قلوبنا... نشر المقال في صحيفة الوطن العمانية 

مشاعر اليُتم 

في عصر يوم الجمعة العاشر من يناير وبينما كنت في نزهة عائلية يرن جرس هاتفي وأجيب لأسمع على الفور "عودي إلى المنزل يبدوا بأن هناك حالة طواريء فجميع من نعرفهم من الجيش قد تم إستدعائهم" أغلقت المكالمة وتصفحت على الفور وسائل التواصل الإجتماعي فكان الجميع يتحدث عن حالة تأهب إحترازية بسبب الأوضاع السياسية الخارجية، فلم يكن هناك من يتوقع ما لا نريد أن نتوقعه وما لم يخطر بيوم على بال أحدنا فذلك يوم بعيد، كما كنا نعيش في حالة الفرح التي أعلنت في آخر يوم من السنة الفائتة، الحالة التي جعلتنا نستقبل السنة الجديدة بكل تفاءل وفرح منتظرين أن يطل علينا ذلك الوجه الباسم البشوش الذي برؤيته تدخل السعادة في كل بيت عُماني وتستقر الفرحة وتتجدد مسيرة الولاء والعرفان لنمضي بكل حب وتفاني في بناء عُمان التي أراد لها أن تكون.
مر ذلك اليوم وأذهاننا لم تخرج من حالة التكهنات للأوضاع السياسية الخارجية القادمة ونحن على يقين بأن عُمان في مأمن لأن هناك عقل حكيم يتولاها وأب حريص على سلامة أبناءه من أن يؤذيهم أحد. مضت تلك الليلة ويا ريتها لم تمضي يا ريت لو الزمن توقف معها ولكن هذه مجرد أمنيات فاتت بددها جرس هاتفي مرة أخرى ليوقظني من حلم جميل في الساعة الرابعة وعشر دقائق صباحاً لأسمع هذه الكلمات "مات حبيب الشعب" نفيت بدوري الخبر وأغلقت الهاتف وركضت بإتجاه التلفاز فكانت الصدمة ويا لها من صدمة أيقضت فيني مشاعر عشتها قبل تسعة عشر سنة حينما توفي أبي وما أبشعها من مشاعر ممزوجة بالآلم والحزن واليُتم والفقد هنا توقف كل شيء وكأنها النهاية فالفاجعة ثقيلة على قلوبنا حتى أوقفت الدماء من أن تمشي في مجراها توقف الزمن وتعطلت عجلته عن الدوران حتى دموعي لم تعرف طريقها فتجمدت، أطل من النافذة ولكن الهدوء يخيم على المكان، أيعقل بأني ما زلت نائمة وهذا مجرد حلم أيعقل بأن هذه إشاعة أيعقل بأن القرآن الكريم في التلفاز كان لسبب آخر زادت الأسئلة في ذهني ولكن لا أحد يجيب فالجميع اختفى، ولكن بعد ساعات أيقنت أنها الحقيقة المره الحقيقية التي لا بد أن نستوعبها وأن نؤمن بها فهذا قضاء الله وقدره بأن تتيتم عُمان في ذلك اليوم الذي غادرنا من كنا نتباهى به بين الأمم غادرنا مصدر فخرنا وعزتنا وقوتنا غادرنا من كنت أفتخر بأن أبي كان أحد الأعمدة التي شاركته في فترة حساسة من بناء عُمان الحديثة كنت أفتخر عندما تتداول صورهم معاً ولعل أبرزها تلك الصورة التي كانت تجمع السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور والسيد ثويني بن شهاب آل سعيد وأبي رحمة الله عليهم جميعاً في سبلة أبي بقرية الهجاري في السنوات الأولى من بدايات النهضة المباركة والمراسلات التي كانت كان بينهم من أجل وحدة عُمان المتفرقة آنذاك ويا له من فخر عظيم بأني أبنة الرجل الذي أئتمنه السلطان الراحل في تلك الفترة المهمة والحساسة من عمر النهضة.
أن صفحات تاريخ السبعين والثمانيين والتسعين والعشرين سنه من الألفين مليء بأسمك وبإنجازاتك مولاي، حوائط المنازل والمؤسسات والمباني والكتب لم تحمل إلا صورك كلمات الأغاني والقصائد والأشعار زينها أسمك ،جوامعك ،جامعتك ،مستشفياتك ،وشوارعك القلاع ، الحصون وغيرها الكثير والكثير جميعها ستخلد أيضاً أسمك ونوفمبر سيظل مجيداً ويوليو سيظل أبياً كيف لا ونحن فتحنا أعيُينا على هذه الدنيا وعرفنا أن عُمان قابوس وقابوس عُمان فهما أسمان مرتبطان ببعضهما البعض لا يمكن أن يفترقان لم نكن نعلم بأن الموت يمكن أن يبعدهما ليكون قابوس تحت ترابها بدلاً من أن تمشي أرجله عليها.
عظم الله أجرك يا عُمان لهذا الفقد العظيم كما أننا نغبطك بأن ترابك يحتضن أبينا ومولانا وسيدنا نغبط كل من يسكن بجوار ذلك الجسد الطاهر ويمر بجوار جثمانة في غلا التي أستقبلتك وهي تبكيك وذرفت سمائها مطراً في يوم رحيلك وأفتقدتك السيب التي قضيت فيها دهراً وعمراً في صحتك ومرضك كما بكتك وستظل تبكيك منح وصحار وصلالة.
في مايو 2001 تيتمت لموت أبي وها أنا اليوم أتيتم مرة أخرى في يناير 2020 بشعور مضاعف كما هي عمان اليتيمة الموجوعة والمكسورة والفاقدة لأبيها وأعز وأصدق وأوفى رجالها وبانيها وحاميها وعزائها الوحيد في من أوصى به وأختاره ليكون خليفته ليكمل مسيرته العظيمة ونحن ماضون خلفه بإذن الله تعالى نكمل ما بنيت من أجلك ومن أجل عمان ورفعتها مبايعين السلطان هيثم بن طارق آل سعيد سلطاناً لعُمان لنكون معه يداً بيد لنكمل مسيرة البناء والتطور.


من اليمين جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، صاحب السمو السيد ثويني بن شهاب آل سعيد والشيخ سلطان بن سيف الحوسني رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته

الفقيد الغالي مولاي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه



المقال المنشور في جريدة الوطن