راوية إيما للكاتبة جون آوستن
لم تكن مجرد رواية عن إمرأة كانت تحاول أن تجمع رأسين بالحلال (الزواج) بقالب
كوميدي رومانسي لفتيات الطبقة الغنية اللواتي يعانن من الخوف من عدم الزواج آنذاك
(القرن التاسع عشر) على الرغم من فشلها في أكثر من محاولة ، ولكن الرواية حملت بين طياتها
الكثير من تفاصيل المجتمع البريطاني بشكل خاص والأوربي بشكل عام فهي رواية وثّقت
لتاريخ إجتماعي ثقافي لتلك البقعة من الأرض وهذا ما يحتاج إلى أن يعرفة الجيل
الحالي الذي لم يعرف عن الثقافة والمجتمع الغربي إلا إنفتاحه اللامحدود والعيش من
دون سقف للحرية في التصرفات والأخلاق وطبعاً التعبير عن الرأي ومحاولة التقليد دون أن
يعي التدرج الذي أوصل بتلك المجتمعات إلى هذه المرحلة ، حيث أن هذه الرواية في
فترة كانت المجتمعات الأوربية المحافظة تعترف وتحترم العادات والتقاليد والدين
الذي كان أساس في تعاملات البشر والمرجع لحياتهم وذلك قبل أن تعبر إلى ضفة الحداثة
بكافة جوانبها ،أي فترة أشبة بطبيعة حياة المجتمعات العربية اليوم.
كانت إيما (الخطّابة) تحاول أن تُقرّب إثنين لبعض لكي يتزوجا وذلك بعد أن تحلل شخصية كل واحد من
الجنسين وتقوم بإختيار الأنسب حسب وجهة نظرها وأن كان الشخصين لا يتقبل أحدهم
الآخر وأحياناً تفرض رأيها في علاقة شخصين حتى لا يتزوجا وتحاول جاهدة إلى إفساد
الزواج إذا لم تكن مقتنعة به ، ولكن إيما لم تنجح في مسعاها إلا في توفيق عدد بسيط
وذلك لأن بعض الرجال وقعوا في حبها بدل من التقرب للطرف الآخر كما خططت إيما ،
فأنتهى بها المطاف إلى أن تزوجت الرجل الذي كانت تحاول أن تقربه إلى صديقتها ،
وبهذا كانت رسالتها أن الزواج ليست تشكيلة بشرية يمكن أن يشكلها أحد البشر (طرف
ثالث) كما يريد بل هو تقارب بين روحين قد ينجح أو يفشل حسب طبيعة الشخصيات، وأعتقد
بأن هذه الرواية كانت رسالة صريحة لتلك المجتمعات في تلك الفترة بأن لعب دور
الوساطة بين شخصين قد لا يأتي ثماره وأن يترك الاختيار للطرفين لأختيار شريك
الحياة ، فهذه من الروايات التي أحدثت نقلة في المجتمع البريطاني ووالأوربي بشكل
عام ، بعد أن كان الزواج تلك الفترة من الروابط المهمة في المجتمع قبل أن تظهر
فكرة الشريك (البارتنر) والتي تقوم على أساس أن يتشارك المرأة والرجل في مسكن واحد
دون أي رابط إلا الرابط العاطفي والتفاهم وقد ينجبا أطفال وبعدها قد يقررون الزواج
أو الأنفصال ، وهذه من نتاج الحياة العملية التي تركز على العمل أكثر من الأسرة
والحياة الاجتماعية التي يحاول البعض في المجتمعات العربية تقليدها دون التفكير في
نتائجها وما تعاني منه المجتمعات الغربية اليوم من تفكك أسري ودمار مجتمعي تحاول
المؤسسات الاجتماعية والحكومات إصلاح ما يمكن إصلاحه من خلال وسائل الإعلام
المختلفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق