الجمعة، 24 فبراير 2017

صراع من أجل العالمية

من هي الأنثى الصغيرة التي ستقبل أن يفرض عليها أبوها أن تتخلص من شعرها الطويل الجميل وتتشبه في شكلها بالرجال لغرض يريده هو، وأن تمارس رياضة ذكورية قاسية، وأن تحرم من أن تعيش التفاصيل الصغيرة والجميلة مثل من هن في سنها في المدرسة الابتدائية، وأن تصبح مجرد أضحوكة لمن يشاهدها وهي تتدرب كل فجر في الرمل قبل الذهاب إلى المدرسة كالثيران التي تتعفر بالتراب فيتغطى جسدها النحيل ويتحول كأنه صخرة في إحدى الصحاري الآسيوية القاحلة، ذلك الجسد الذي منعت عنه كل ما تشتهيه الطفولة من أكل وشراب وأدخلت له كل ما يُحرمه الدين الذي تنتمي إليه من أجل الحصول على البروتينات الضرورية لأجل تحقيق هدف الأب والدخول في منافسة شرسة مع الذكور في رياضة المصارعة؟! هذا كله والأم تقف شاهدة على سلب أنوثة بناتها تنفيذاً لأمر الأب وتحقيقاً لحلمه الذي لم يستطع تحقيقه وهو في سن الشباب وعندما تزوج تمنى أن يرزق بولد ليحقق حلمه في ولده ولكن كانت محاولات الاستعانة بالوصفات التقليدية والشعوذة المحلية لم تجدِ نفعاً فرزق ببنات ولم يستسلم لقدره وحقق حلمه عن طريق بناته، مضحيا بهن، ولكن قلبت الأحوال وأصبحت ابنته الكبرى أول بطلة للمصارعة في الهند.
كانت هذه بعض من مشاهد الفيلم الهندي (دنجل) الذي عُرض مؤخراً في السينما من إخراج نيتش تيواري الذي حقق نجاحاً كبيراً لكثير من الأسباب وأولها قصة الفيلم الذي جسد قصة حقيقية لحياة المصارع الهندي “ماهفير سينج” وكيف تمكن من أن يجعل من إبنتيه بطلتين للمصارعة محلياً ومن ثم عالمياً.
لم يكن هذا الفيلم محور اهتمام المرأة فقط، كونه تحدث عن قضية تخصهن بإجتياحها رياضة ذكورية بحتة والتفوق فيها وبذلك هي أثبتت أنها قادرة على الوقوف بجانب الرجل، ومنافسته في شتى المجالات، بل كان محور اهتمام الجنس الآخر لأنه فيلم مثل قضية إنسانية بالدرجة الأولى وكان الرجل الذي هو الأب الداعم والمتحدي الأول من أجل وصول المرأة لهذا الإنجاز العالمي، وإن اختلف معه الكثيرون وهذا ما جعلني أكتب عن هذا الفيلم الذي كان مؤثراً ومن أروع ما قدمته بوليود للجمهور وهو يعطي رسالة قوية لطاعة الوالدين وبأن التضحية ليست دائماً من جهة الوالدين فقط ولكن أيضاً الأبناء عليهم أن يضحوا من أجل والديهم وإن كانت التضحية في هذا الفيلم مبالغة ولكنها كانت رسالة لها معنى قوي يمكن أن يستفاد منه الكثير كما أن ضغط الأب على إبنتيه من أجل تحقيقه هدفه يستفاد منه الكثير وتحديداً في الوقت الراهن، حيث إن الأبناء ينفذون ما يقتنعون به ظناً منهم أن تفكير الوالدين يرجع لسنوات مضت وبأن الأبناء قادرون على اتخاذ قراراتهم بمفردهم دون الرجوع للأم والأب ولكن وليس في كل الحالات ينظر الوالدان لمصلحة أبنائهما أكثر من الأبناء أنفسهم، وينظرون للمستقبل نظرة واسعة ومن تجربة مروا بها فكثيراً من قال يا ليت الزمن يعود للوراء وسمعت كلام أمي وأبي ولكن للأسف الزمن لا يعود وعلينا أن نترك مساحة لتدخلات الأم والأب وإن كانت عكس تطلعاتنا ولكنها في النهاية لا تخلو من مصلحة .
كما يمكن القول إن الإصرار والتحدي والرغبة يولّد النجاح فعندما أصر الأب واقتنعت بذلك الإصرار ابنتاه وإن كان على حساب حياتهما الأنثوية استطاعتا أن تحققا نجاحاً عالمياً في مجال كان صعبا على المرأة أن تحقق نجاحاً من خلاله وكان لصديقتهما التي تم تزويجها من رجل عجوز وهي في سنواتها الأولى بالمدرسة دافع قوي لهما فهي تزوجت عنوة فكان ذلك بداية مأساة لحياتها بدأته بفرح الذي هو العرس أما (جيتا وبابيتا) كما كان اسميهما في الفيلم، فضغط عليهما والدهما من أجل تحقيق نجاح ولولا ذلك الضغط قد اتجهت حياتهما إلى منحى آخر بتنفيذ العادات والتقاليد المحلية وتزويجهما في سن مبكرة للتخلص من عبئ الصرف عليهما.
في النهاية يمكن القول إن السينما الهندية استطاعت خلال السنوات الأربع الأخيرة أن تحتل الصدارة في نوعية وجودة ومضمون الأفلام التي تنتجها وهذا ليس بغريب على هذه السينما التاريخية والتي أطلقت أول فيلم لها عام 1913م ، حيث تفوقت من ناحية المضمون والتقنية واستطاعت أن تشد الجمهور إليها وأن تنتقل من مرحلة التركيز على الأغاني الرومانسية والأكشن المبالغ فيه إلى مرحلة التركيز على القصص الهادفة والمستوحاة من الواقع، حيث تستوطن لفترة طويلة في ذهن المشاهد .



رابط المقال في جريدة الوطن العمانية : http://alwatan.com/details/175203

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق