قبل عدة سنوات مضت حيث الأيام الجميلة والقلوب البريئة
والحياة البسيطة كنت أشاهد علم السلطنة والشعار يزين جبينه الأيسر يرفف فوق منزلنا
،ولم أكن أعي ما الهدف منه فقد ظننتة تجسيداً لمعنى الوطنية التي كانت تتجسد
رموزها في العلم وصورة السلطان التي كانت تملئ جدران المنزل والورقة الأولى من
دليل الهاتف حيث كان الهاتف الأرضي متوفر في منازل الوالد وعندما يرن يعني بأن
هناك خبر عاجل لابد أن يصل بسرعة كان كوكالة الأنباء التي تصل من خلاله الأخبار
للآخرين إلى جانب هاتف السيارة (تلفون أبو شنطة) كما كان يسمى والذي كان يمثل
بالنسبة لنا نقطة تحول كوسيلة تواصل ، كنت أشاهد الناس يومياً من مختلف القرى
والولايات يأتون إلى السبلة المجاورة للمنزل منهم من كان يأتي فوق ناقته ومنهم من
أستقل سيارته المتواضعة ومنهم من تحمل عناء المسافة التي سارها بالأقدام ، كنت أشاهد
والدي رحمة الله وهو عائداً بعد أداه صلاة المغرب من المسجد متجهاً للمنزل وهو
الوقت الذي ينهي فيه يومه المزحوم بالأعمال أسترق النظر إليه من النافذة فهي
الوسيلة الوحيدة لأتمكن من مشاهدته يومياً لأن الجلوس معه يتطلب موعداً لكثرة
إنشغالاته وعودته إلى المنزل مرهقاً أحياناً أو يقضي الوقت فيما تبقى من يومه في
مكتبة بالمنزل لينهى ما تبقى من عمل .
كل هذه المشاهد كانت تمر عليّ ولم أكن أفهم ما الذي يحدث
ظننت أن الكل يعيش حياتة بهذه الطريقة الأقرب إلى الرسمية ، كنت ألاحظ على الرغم
من التعقيدات التي تصادفنا في كثير من الأمور بإعتبار العادات والتقاليد ولكن كل
شيء يخص الوطن فهو مسموح به لذلك قوبل طلبي وطلب أخواتي بالقبول عندما عدنا من
المدرسة بطلب الإنضمام (الزهرات وهي المرحلة التي تسبق المرشدات) على الرغم من
أننا خططنا لإستخدام الواسطة لإقناع الوالد ولكن كان الرد عكس توقعاتنا حيث كان
يسمح لنا بحضور المعسكرات التي تقام في المدرسة أيام العطلات كانت تقول لنا أمي
(يقول لكم أبوكم كل ما يحمل علم عمان وصورة السلطان فهو مسموح به) ، ولكن ما زال
الوضع مبهم وغير مفهوم، عرفت بأنه شيخ قبيلة ولكن كنت أظن مجرد لقب منح له
لمواصفات كانت تتوفر فيه ، تحليل الأشياء تلك الفترة لم يكن يعنيني بكثر ما كنت
منشغلة في الحصول على ما أريد في مرحلة طفولتي والإكتفاء بمراقبة المشاهد.
عندما كنت في الصف الأول الإعدادي (السابع) علمت بأن
هناك كاتب بريطاني كبير سيزور الوالد رحمة الله عليه يدعى ( إدوارد هندرسون) وله
كتاب بعنوان (ذكريات عن الأيام الأولى في دولة الإمارات وعُمان) ، وكان هذا الكاتب
قد أقام لفترة من الوقت في دولة الإمارات وعُمان وتحديداً في الفترة التي كانت
فيها حرب البريمي وكان قد أشار في كتابة إلى دور شيوخ القبائل في الحرب وفي
المنطقة بشكل عام وكان من ضمنهم والدي رحمة الله عليه .
كنت متلهفة لرؤيتة وعند عودتي من المدرسة كان موجود
برفقة زوجتة كنت فرحة بذلك اللقاء الذي شكل نقطة تحول بالنسبة لي فقد اتضحت العديد
من المعلومات التي كنت أجلها والتي قادتني بعد وفاة والدي لأن أبحث في مكتبة وبين
الوثائق التي تركها والتي تأخذ مكانها الآن في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لأهميتها
في توثيق مرحلة مهمة من تاريخ السلطنة، من تلك الوثائق اكتشفت بأن حكمت القائد
بنيت عُمان على مراحل بدأها مع شيوخ القبائل كونهم يشكلون قوة في ذلك الوقت
وكلمتهم لها وقعها على المجتمع ، في البداية كان شغله الشاغل أن يستتب الأمن في
عُمان ويعم السلام ، فلبت ندائة عُمان في حرب ظفار فالكل كان يعرف أن الأب لن يخوض
حرباً إلا وهو مؤمن بالإنتصار فيها.
قرأت من خلال المراسلات إهتمامه بكل صغيرة وكبيرة كان
يتابع أبسط الأشياء وكأن عُمان طفله الذي لابد أن يراعيه بعناية ، كان دائم السؤال
عن أحوال الرعية عن وضع المدارس والخدمات الصحية عن الزراعة وضع المياة في الآبار
والأفلاج عن البيئة الحيوانية والنباتية عن أوضاع المواصلات والطرق وغيرها من
الأوضاع المتصلة بحياة الناس ، كان حريصاً كل الحرص على حل الخلافات القبلية
والعائلية ، حتى الأشياء التي لا نعيرها اليوم إهتماماً في بيوتنا كان حريص على
معرفة أوضاعها وظروفها ، بهذه المعاملة لطفلته عُمان ليس غريباً أن ينحني الجميع
إجلالاً له أن يتسابقوا بالدخول إلى قلبه .
ما أردت قوله كان إعتماد صاحب الجلالة على شيوخ القبائل
في تلك الفترة ليؤسس لعُمان اليوم فكان يعرف أن عُمان لابد أن تبنى من الداخل بسواعد
أبنائها فكان له ما أراد ، واليوم الكل يبني عمان دون مقابل فالهدف عمان والعمل
بما يرضي الله ويسعد سيدي قابوس .
خولة بنت سلطان الحوسني
@sahaf03
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق